| منذ 2003 والعراق يعيش تجربة سياسية معقّدة لم تُمنح لها فرصة النضج، ولا أُعطيت قياداتها القدرة على إدارة دولة خرجت من حربٍ وحصارٍ واحتلال. ومع ذلك، فإن أخطاء رؤساء الوزراء كانت جزءاً أساسياً من الأسباب التي صنعت الفشل المتراكم. وكل مرحلة حملت معها دروساً لم تُستثمر، وتجارب لم تُصحَّح، فبقيت البلاد تدور في حلقةٍ من الأزمات.
فيما يلي قراءة صريحة لأسباب فشل رؤساء الوزراء السابقين، وما يجب على القادم أن يتجنّبه إذا أراد أن يكتب صفحة مختلفة في تاريخ السلطة التنفيذية. إياد علاوي: قرار أمريكي… وممارسات أعادت ذاكرة القمععلاوي جاء بقرار من الحاكم الأمريكي بول بريمر، لا من الإرادة العراقية. ورغم الفراغ الأمني الهائل آنذاك، اختار الطريق الأسهل: القوة العشوائية. خاض مواجهات مع أبناء بلده، وكرّر ذات أساليب صدام في “الحسم بالنار”، فيما انشغل وزراؤه بعمليات فساد ضخم، فهربت المليارات من خزائن الدولة بلا رقيب ولا محاسبة. هكذا سقطت ثقة الناس مبكراً بالحكومة الانتقالية. درس المرحلة: حكومة بلا شرعية شعبية ولا رؤية اقتصادية ستنهار مهما كان شعارها “الأمن أولاً”. إبراهيم الجعفري: إدارة مرتبكة أمام كارثة وهزّت البلادفي عهد الجعفري وقع تفجير المرقدين العسكريين في سامراء، الحادثة الأخطر التي مزّقت النسيج الاجتماعي للعراق. لكن القيادة السياسية لم تكن بمستوى الحدث؛ فشل في ضبط الأزمة، غابت عنه الحسم، وتأخر في القرار، فانفلتت الأمور لتدخل البلاد نفق الحرب الطائفية. درس المرحلة: الأزمات الكبرى تحتاج قيادة واضحة، حاسمة، تسبق النار قبل اشتعالها. نوري المالكي: نجاح كبير أولاً… ثم سقوط بسبب الحزبالمالكي في دورته الأولى قدّم أفضل نموذج لبناء الدولة بعد 2003: اعتمد على كفاءات عراقية حقيقية، واجه الإرهاب، أسّس بنية أمنية، أعاد مؤسسات الدولة للعمل، وفتح المجال أمام الخبرات حتى من خارج حزبه. لكن في دورته الثانية انقلب المشهد. اقترب الحزب من مقدرات الدولة، وتوسعت دائرة المحاصصة داخل مفاصل القرار، فتراجعت الإنجازات، وبدأت ملامح الفشل تتشكل رغم رصيده الكبير في الدورة الأولى. درس المرحلة: النجاح لا يُبنى بالحزب… بل بالكفاءات. والخلط بين الدولة والكيان السياسي طريق مضمون للسقوط. حيدر العبادي: بديل ضعيف… وقرارات أضرت بالمواطن جاء العبادي بصفته “البديل الاضطراري” بعد أزمة 2014، لكنه لم يمتلك مشروعاً ولا قراراً. سياساته المالية كانت كارثية:رفع الضرائب، أضعف القدرة الشرائية، خلق ضائقة اقتصادية للمواطن، ولم يترك خلفه أي مشروع بنيوي أو إنمائي يُذكر. درس المرحلة: الإصلاح ليس ضرائب… الإصلاح إعادة بناء اقتصاد، لا تحميل الناس ثمن الفشل السياسي. عادل عبد المهدي: رئيس حكومة بلا قرارعبد المهدي من البداية لم يظهر كرجل دولة، بل كرجل متردّد يحتفظ باستقالته في جيبه. عند كل أزمة كان يلوّح بالانسحاب، وعند حادثة مطار بغداد واغتيال القادة الشهداء فقد السيطرة تماماً. حكومة بلا قرار حقيقي، بلا إرادة، وبلا قدرة على حماية سيادة البلد. درس المرحلة: رئيس الوزراء الذي يخاف من مواجهة الأزمة… ستسقط حكومته قبل أن تبدأ. مصطفى الكاظمي: ضجيج دون إنجاز… وفتح الأبواب للفسادالكاظمي كان كثير الكلام، كثير الاستعراض، قليل العمل. فتح أبواب الدولة على مصراعيها للنفوذ الغربي والأمريكي، وأطلق موجة فساد واسعة تحت غطاء “التحديث والإصلاح”. لم ينجز مشروعاً واحداً حقيقياً، وكان عهده مسرحاً لصراعات الأجهزة، وامتداداً للفوضى السياسية. درس المرحلة: الخطابات لا تبني دولة… والارتباط بالخارج لا يصنع استقراراً. محمد شياع السوداني: اهتمام أحادي… وتورّط بالعشيرة السوداني نجح في ملف الطرق والجسور، واهتم بالبنية التحتية في جانبها الشكلي. لكن بقية قطاعات الدولة بقيت خراباً:الصحة، التعليم، الزراعة، الصناعة، الأمن الاقتصادي. والأخطر: تقريب العشيرة وإدخالها إلى المناصب الحساسة، حتى في المواقع العسكرية والإدارية. درس المرحلة: الدولة لا تُدار بمنطق العشيرة، ولا بنجاح قطاع واحد وترك مؤسسات كاملة تنهار. ما الذي يجب على رئيس الوزراء القادم تجنّبه؟لا يصعد بقرار خارجي… وإلا ستكون سيادته على الورق فقط. لا يضع الحزب فوق الدولة… التجربة أثبتت أنها وصفة فشل مؤكدة. لا يهرب من الأزمات… فالعراق بلد يصنع الأزمات كل يوم. لا يُحارب المواطن اقتصادياً بحجة الإصلاح. لا يسمح بالفساد من بوابة “التحديث” كما فعل الكاظمي. لا يُحول الدولة إلى مجلس عشائري كما حدث في عهد السوداني. لا يعتمد على الولاء… بل على الكفاءة فقط. لا يرفع الشعارات… بل يُقدم مشروعاً قابلاً للقياس والتنفيذ. الخلاصةفشل رؤساء الوزراء في العراق لم يكن قدراً، بل نتيجة أخطاء متكررة، يمكن لرئيس الوزراء القادم أن يتجنبها إذا أراد أن يصنع اسماً يليق بالمرحلة ويعيد للدولة عمودها الفقري المكسور منذ 2003. العراق لا يحتاج زعيماً جديداً… بل يحتاج من يفهم الدرس، ويطبّقه، ولا يكرر أخطاء من سبقوه. |


