
الانتخابات العراقية اليوم تشهد أجواءً متباينة بين التفاؤل الشعبي الحذر والقلق السياسي المتصاعد، إذ يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في مختلف المحافظات لاختيار ممثليهم في البرلمان وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار واسع للقوات الأمنية لتأمين المراكز الانتخابية. حيث فتحت الأبواب منذ ساعات الصباح الأولى أمام المواطنين الذين توافدوا تدريجياً رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد. هذه الانتخابات تعد اختباراً حقيقياً للنظام السياسي والديمقراطي في العراق، بعد سنوات من التوتر والانقسام، إذ يتنافس فيها عدد كبير من الأحزاب والتحالفات بين تيارات مدنية ودينية ومستقلين. يسعون جميعاً لإقناع الناخب العراقي الذي بات أكثر وعياً وتجربة، بما مر به من وعود لم تتحقق وصراعات أثرت على حياته اليومية.
التحديات السياسية والاقتصادية
الحكومة العراقية أكدت جاهزيتها الكاملة لإنجاح هذا الحدث الوطني الكبير وأعلنت مفوضية الانتخابات أن الأجهزة الإلكترونية جاهزة، وأن جميع مراكز الاقتراع خضعت للفحص والتدقيق. بينما ركزت الحملات الإعلامية على أهمية المشاركة لمنع عودة الوجوه التي أثارت الجدل خلال السنوات الماضية. في المقابل، تسود حالة من الترقب في الشارع العراقي حول نسب الإقبال التي تعد مؤشراً مهماً على مدى ثقة المواطن بالعملية الانتخابية، خصوصاً في ظل الحديث عن مقاطعة بعض الفئات بسبب الإحباط من الأداء السياسي العام. وحسب مراقبون، وصلت نسب المشاركة الانتخابية حتى هذه اللحظة 23%.
لكن هذه النسبة لا تخلو من تحديات، حيث يرى الكثيرون أن نسبة المشاركة المنخفضة تعكس فشل القوى السياسية في جذب الناخبين، بالإضافة إلى انعدام الثقة التي باتت سمة بارزة لدى كثير من العراقيين تجاه العملية الانتخابية بشكل عام. يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الانتخابات ستتمكن من استعادة الثقة الشعبية أم ستكون مجرد استنساخ لنفس المشهد السابق.
الانتخابات كساحة للصراع بين الأحزاب
المراقبون يرون أن الانتخابات الحالية قد تشكل منعطفاً سياسياً جديداً في العراق، خاصة مع بروز مستقلين من تيارات وأحزاب مستقلة تحاول كسر احتكار الأحزاب التقليدية للسلطة. بينما تراهن الكتل الكبيرة على ثقلها الشعبي وتحالفاتها الداخلية والخارجية لتأمين مواقعها في البرلمان القادم.
وتعتبر هذه الانتخابات محطة هامة لمعرفة إن كانت ستؤدي إلى تطور سياسي حقيقي، أم ستظل محكومة بالتحالفات التقليدية التي تعيد إنتاج نفس الوجوه. في هذا السياق، يظل الشعب العراقي في حالة ترقب، خصوصاً بعد سنوات من التجاذبات السياسية والوعود الفارغة.
موقف القوى الدولية والمراقبين
من جهة أخرى، تتابع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مجريات التصويت لضمان نزاهته ومنع أي محاولات للتلاعب أو التأثير على إرادة الناخبين. وفي الوقت نفسه، تواصل القنوات الإعلامية تغطيتها المباشرة من المراكز الانتخابية في بغداد والنجف والبصرة والموصل وكربلاء وغيرها من المحافظات. حيث تتنوع المشاهد بين ازدحام في بعض المناطق وضعف الإقبال في محافظات أخرى، حيث وصل نسب الإقبال في بعض المحافظات إلى أقل من 10%.
ووسط هذه التحديات، تبقى صورة العملية الانتخابية محاطة بالغموض، إذ يتابع العراقيون نتائج الانتخابات بحذر، في ظل تساؤلات حول دقة العد والفرز. وما إذا كانت ستفرز خريطة سياسية جديدة أو تعيد إنتاج المشهد السياسي السابق.
الاستقطاب السياسي والتحديات المقبلة
ومع اقتراب ساعات الإغلاق، تزداد التساؤلات حول النتائج الأولية التي ستعلنها المفوضية خلال الساعات القادمة. وما إذا كانت ستفرز خريطة سياسية جديدة أو تعيد إنتاج المشهد السابق الذي طبع الحياة السياسية العراقية بالانقسام والتجاذب. يبقى الأمل معقوداً على أن تحمل هذه الانتخابات بداية مرحلة أكثر استقراراً وعدلاً، تضمن تمثيلاً حقيقياً لإرادة الشعب وتفتح الباب أمام إصلاحات جادة في الاقتصاد والخدمات ومكافحة الفساد.
يظل العراق أمام مفترق طرق بين التجديد والإصلاح، أو العودة إلى دوامة الصفقات والمصالح التي أرهقته طويلاً. وبالرغم من التحديات الكبيرة، فهناك شعور بأن هذه اللحظة قد تكون فاصلة، إما لتأسيس مستقبل جديد أو لاستمرار حالة الجمود.
الرفض الشعبي وغياب التيار الصدري
لكن المراقبون يجدون المشهد السياسي صعباً جداً من حيث الرفض الشعبي للانتخابات. عدم مشاركة التيار الصدري في هذه الأوقات قد يجعل من المشهد العراقي ضبابياً ومعقداً. فغياب هذا التيار، الذي يعد من أكبر القوى السياسية المؤثرة، يعكس أزمة حقيقية في المشهد الانتخابي ويزيد من تعقيد الأمور. فهل تستطيع المفوضية أن تكون صادقة مع الشعب كي تحدد النسب الحقيقية دون ضغوط؟ أم سيكون هناك حديث آخر؟


