فشل “قوّة المنطق” مع العدو الصهيوني… والحل في تنفيذ القرار 1701 دون أوهام جديدة

فشل "قوّة المنطق" مع العدو الصهيوني... والحل في تنفيذ القرار 1701 دون أوهام جديدة
يؤكد النص أن الدعوة إلى «قوّة المنطق» تتناقض مع واقع الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، وأن التجربة اللبنانية أثبتت أن الردع وحده يحمي السيادة. ويرى أن الحل يكمن في تنفيذ القرار 1701 كاملًا ضمن توازن فعلي بين القوة والسيادة....

أكد رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزاف عون مساء أمس أنّ «منطق القوة لم يعد ينفع وعلينا أن نذهب إلى قوّة المنطق». في إشارةٍ إلى أن الحرب لا تجلب سوى الويلات، داعيًا إلى تغليب الحوار والدبلوماسية في ظل موجة التسويات الإقليمية.

لكن المفارقة أن هذا الطرح يتعارض مع ما ورد في خطابه نفسه في كلمته خلال القمة العربية غير العادية، رقم 33 (4 آذار/مارس 2025) حين قال: إنّه «لا سلام من دون تحرير آخر شبر من أرضنا ولا من دون دولة فلسطين».

فكيف يمكن للبنان أن يسلك طريق “قوّة المنطق” فيما الاحتلال الإسرائيلي ما زال يتمركز في سبعة مواقع استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية بالتنسيق مع الأمريكي، دون أي التزام فعلي ببنود القرار الأممي 1701؟

وفي عهد الرئيس عون نفسه، اكتفى لبنان بسياسة “المنطق الدبلوماسي” في مواجهة أكثر من 10,000 اعتداء إسرائيلي موثّق على أراضيه منذ الإتفاق على وقف إطلاق النار بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ، من دون أن تُرفع دعوى واحدة أو يُعاد مخطوف، أو يُحرّر شبر إضافي من الأرض المحتلة.

فهل هذا هو “المنطق” الذي يُعيد السيادة؟ أم أنه غطاء لعجزٍ سياسيٍّ عن الردع والمساءلة؟

وعلى النقيض، أظهرت التجربة اللبنانية أن “منطق القوة” وحده هو الذي صان الكيان. فمنذ العام 1996 فرضت المقاومة توازن الردع، فاضطرت إسرائيل إلى الانسحاب المذل عام 2000 من طرف واحد، ثم تراجعت عن عدوانها الشامل بعد عدوان تموز 2006 حين نجح لبنان في فرض معادلة الردع على كامل السيادة اللبنانية.

ومنذ ذلك الحين، لم تُقدِم إسرائيل على اجتياحٍ بريٍّ واسع لأن كلفة العدوان باتت أكبر من طاقتها على التحمل.

ويؤكد التاريخ المعاصر هذا المبدأ بوضوح؛ فالتجربة بين الهند وباكستان تُظهر أن منطق القوة هو الضامن الحقيقي للردع: فقبل امتلاك باكستان للسلاح النووي (قبل 1998) خاض البلدان ثلاث حروب كبرى (1947، 1965، 1971) واشتباكات متكرّرة، بينما تراجعت الاعتداءات الهندية جذريًا بعد حيازةباكستان على القنبلة النووية، واقتصر الصراع على مواجهات محدودة وحروب بالوكالة، بفعل توازن الردع النووي الذي جعل الحرب الشاملة شبه مستحيلة.

إنها المعادلة ذاتها: حين تتوازن القوة، ينضبط العدو. وحين يُراهن الضعيف على “قوة المنطق”، يزداد العدوان.

أما مسار التسويات والمفاوضات مع الإسرائيلي برعاية إمريكية، فنتائجه السلبية واضحة في تجارب كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة.

كامب ديفيد (1978–1979) أخرجت مصر من الصراع وأضعفت الجبهة العربية.

أوسلو (1993–1995) منحت إسرائيل اعترافًا مجانيًا مقابل سلطة منزوعة السيادة.

وادي عربة (1994) كرّست التبعية الاقتصادية والأمنية للأردن دون مكسب وطني حقيقي.

كل هذه الاتفاقيات أنهت أوهام “السلام مقابل السلام”، ورسّخت التفوّق الإسرائيلي بدل أن تُنهي الإحتلال الذي يسعى لإنشاء إسرائيل الكبرى وقد أعلنها نتنياهو صراحة مؤخرًا .

ولا بد من الإشارة بأن الإدارة الأمريكية قد زودت إسرائيل بملايين الأطنان من قنابل الأعماق زنة 2000 باوند منذ 7 أكتوبر، وأحدث الصواريخ الدقيقة التي تفاخر ترامب بنتائج أصابتها عبر جسر جوي مؤلف َمن 800 طائرة وجسر آخر بحري مؤلف من 140 سفينة. واكتمل الجسرين بتاريخ 27أيار/ مايو 2025 ومن المفارقة  أن ترامب أعلن بعد يومين فقط :”بأنه في مهمة من الله”.

من هنا، فإن الحل الواقعي الوحيد أمام لبنان ليس في أي مشروع تفاوضي جديد أو في إعادة تدوير شعارات “قوّة المنطق”، بل في تنفيذ القرار الأممي 1701 كاملًا، لأنه الإطار الوحيد الذي يضمن سيادة لبنان ويمنح العدو طمأنينة أمنية مشروطة بالانسحاب من كل الأراضي اللبنانية جنوب ر، تحت رقابة أممية صارمة.

وقد أثبتت الوقائع أن “قوّة المنطق” بلا سند من القوة الحقيقية ليست سوى وهم سياسي؛ وأن منطق الردع هو الذي حافظ على لبنان ومنع العدوان.

فالطريق واضح وضوح الشمس : تنفيذ القرار 1701 بجدّية، لا عبر أوهام جديدة، بل عبر توازن واقعي بين السيادة والقوة، لأن التاريخ علّمنا أن من لا يمتلك قوة الردع، لا يُسمَع لمنطقة؛ وإن َ”ما أُخِذَ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.

وإنً غدًا لناظره قريب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *