التحليل رقم (1) ضمن سلسلة تحليل المشهد الانتخابي العراقي 2025 يكتبها (سلام عادل)في السياسة، لا تتكلّم الأرقام بل تفضح، ومن يضع نتائج انتخابات 2014 إلى جانب نتائج 2025، وبينهما 10 سنوات من التحول السياسي والاجتماعي، يدرك أن بغداد باعتبارها مركز الاختبار السياسي لم تغيّر مزاجها بقدر ما غيّرت معاييرها، فهي لم تعد تُصفّق للسلطة، بل تُحاسبها بالأرقام. أولاً: المالكي… ذروة الزعامةفي انتخابات 2014، كان نوري المالكي في أوج نفوذه؛ رئيس وزراء يقود دولة خارجة من احتلال ومن حربٍ طائفية ويقدّم نفسه كـ”رجل الحسم والأمن”، حيث حصل وحده على أكثر من 721,000 صوت في بغداد — رقمٌ غير مسبوق، جعل منه الزعيم الشيعي الأقوى في تاريخ الانتخابات العراقية الحديثة، ولكن ذلك الرقم لم يكن مجرد مكافأة، بل كان تصويتاً ممزوجاً بالخوف من الماضي والأمل في الخروج منه، ولهذا الناس أرادت من المالكي أن يُنهي الفوضى، لا أن يبقى رمزها. ثانياً: السوداني… رئيس وزراء بلا جمهوربعد أحد عشر عاماً، كرّر محمد شياع السوداني التجربة من موقع السلطة نفسه، لكنه لم يَحصُد أكثر من 92,000 صوت فقط في العاصمة، وهو رقمٌ لا يشبه رئيس وزراء، بل يشبه جمهور مباراة في ملعب كرة قدم، وهنا الفرق بين الرقمين ليس حسابياً بل إجتماعياً، باعتبار أن بغداد، التي كانت تبحث عن “المنقذ”، أصبحت تبحث عن “المُصلح”، ولم تره بعد، فانخفض التصويت، لا لأن الناس ضده، بل لأنهم لم يروه بعدُ سبباً كافياً للتصويت. ثالثاً: حين تتحوّل السلطة إلى اختبارالمنصب، الذي كان يُنتج الأصوات، أصبح اليوم يُستنزف بها، فالناخب العراقي بات يعتبر أن من في الحكم يجب أن يُحاسَب لا أن يُكرَّم، ولذلك لم يعد التصويت لرئيس الوزراء طقس ولاء، بل اختبار أداء، وبهذا المعنى، فإن 92 ألف صوت تمثّل حكماً سياسياً أكثر من كونها نتيجة انتخابية. رابعاً: سقوط الكاريزما وولادة الوعيلم يخسر السوداني الانتخابات، لكنه خسر وهج المنصب، فقد انتهى زمن “الزعيم المخلّص”، وبدأ زمن “الموظف الكبير”، الذي يُقيَّم على قدر ما ينجز، لا على قدر ما يقول، وهذه المفارقة هي الوجه الإيجابي للوعي العراقي الجديد، من ناحية أن يتحوّل التصويت من انفعالٍ إلى حساب، ومن طاعةٍ إلى مراقبة. وفي الختام .. المالكي كان رئيس وزراء يحكم بجمهوره، والسوداني رئيس وزراء يحكم بجهازه، وبين الرقمين (721 ألف و 92 ألف) تمتدّ مسافة وعيٍ عمرها عقدٌ من التحوّل في شخصية الناخب العراقي، الذي لم يعد يبحث عن الرمز القوي بل عن الدولة القوية والسيادة الواضحة، وهذا وحده كافٍ لنقول إن بغداد لم تخذل السوداني، بل نضجت قبله. |


