أعلن الرئيس ترامب تعيين مارك سفايا، رائد أعمال من أصول عراقية كلدانية مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى جمهورية العراق، قرار أثار ردود فعل متباينة داخل بغداد وخارجها، وفتح نقاشًا حول استراتيجية واشنطن تجاه بغداد في فترة دقيقة سياسيًا وإقليميًا.
إذا ما تكلمنا عن الخلفية والقراءة الأولية للقرار
سفايا معروف كرجل أعمال، وفاعل سياسي في الولايات المتحدة، ليست لديه مسيرة دبلوماسية عالية المستوى لكنه مرتبط شخصيًا وإعلاميًا بالإدارة الحالية، واشنطن عرضت التعيين كخطوة لفتح قنوات جديدة من النفوذ والاتصال.
العديد من الأطراف العراقية (كتل سياسية وقوى إقليمية) وصفوا التعيين بأنه خطوة دبلوماسية اعتيادية أو خطوة طبيعية، فيما رحّب به بعض قادة إقليم كردستان واعتبروه مؤشرًا لإذن بتعزيز الشراكة، هذا المزج من الترحيب والحذر يعطي مؤشرًا أوليًا: التعيين لن يغيّر المعادلات فجأة لكنه قد يكون نقطة انطلاق لسياسات محددة.
تداعيات التعيين على العلاقات الأمريكية-العراقية
اولا؛ من دبلوماسية مؤسساتية إلى وسائط شخصية
التعيين يرشّح نموذجًا أقل تقليدية، ممثل رئاسي شخصي يمتلك روابط سياسية داخل أمريكا، ما يعني إدارة قضايا عبر قنوات رئاسية شخصية أكثر من قنوات وزارة الخارجية التقليدية، هذا قد يُسرّع مبادرات محددة لكنه يخلق أيضًا غموضًا حول نطاق الصلاحيات والتنسيق مع السفارة ووزارة الخارجية الأمريكية.
النتيجة: زيادة الفاعلية في ملفات معيّنة (اتفاقات استثمارية، مبادرات سريعة)، لكنها تخلق إحباطًا لدى أجهزة الدولة العراقية إن لم يجرِ التنسيق الرسمي.
ثانيا : ملف الأمن والحشد الشعبي
واشنطن باتت تُصرّ على تقليص تأثير قادة الحشد الشعبي، والضغط على فصائله المسلحة، وبوجود ممثل شخصي يملك دعمًا رئاسيًا قويًا، قد تُحاول الإدارة دفع مبادرات رقابية أو دعم إصلاحات أمنية برعاية أمريكية، هذا قد يؤدي إلى تصعيد خطابي أو عملي من قبل فصائل حسّاسة للوجود الأمريكي إن لم تُدار العملية بحذر وتضمن تسهيلات للحوار مع قوى الإطار السياسية.
ثالثا : الاقتصاد والاستثمار كأولويات
خلفية سفايا كرجل أعمال تطرح احتمالية دفع أجنبي أكبر للاستثمار، وإعادة فتح ملف الشركات الأميركية والصفقات الاقتصادية، وإن نجحت هذه السياسة، قد تولّد مكاسب ملموسة للعراق موظفياً وبنيةً تحتية، وتمنح التعيين مبررًا عمليًا للوجود الأميركي المدني والاقتصادي، لكن الشكّ وارد؛ الفاعلية تعتمد على الإطار القانوني في بغداد، والشفافية، والقدرة على جذب استثمارات حقيقية بعقود نزيهة.
رابعا؛ ثقة الحكومة العراقية والمجتمع السياسي
التعيين قد يقوّي العلاقات مع فصائل أو أفراد يرحبون بالتقارب الاقتصادي والأمني مع واشنطن، لكنه قد يُضعف الثقة مع قوى ترى في ذلك تدخلاً أو محاولة لإعادة تعريف السيادة العراقية، لذا النجاح رهين بناء آلية شفافة للتنسيق مع الحكومة وسائر القوى السياسية.
تداعيات التعيين على العلاقات العراقية-الإيرانية
اولا؛ إعادة ضبط النفوذ الإقليمي
أية محاولة أميركية جديدة لتقليص نفوذ القوى الشيعية، أو تعزيز البدائل الاقتصادية ستُقرأ في طهران كتهديد لمجالها النفوذي في العراق، إيران قد تردّ بتشديد علاقتها مع قادة الفصائل المسلحة، أو بزيادة الضغوط السياسية والاقتصادية عبر أدوات دبلوماسية إقليمية، هذا يرفع احتمالية مئات الحركات الضدية المصغّرة (استهداف مصالح، تهديدات كلامية، استخدام أدوات نفوذ برلمانية).
ثانيا؛ سيناريو التصعيد المحدود
إذا ركّز المبعوث الأمريكي على حملات علنية ضد قادة فصائل الحشد الشعبي، أو فرض شروط لا تقبلها المحاور العراقية-الإيرانية، فقد نرى موجة من العراقيل أمام المشاريع الأمريكية، وكذلك استثمار طهران في شبكات سياسية للعرقلة، النتيجة قد تكون حالة من الجمود السياسي، مع زيادة الهجمات المعنوية والخطابية وليس بالضرورة مواجهة عسكرية مباشرة، إلا إذا تفاقمت الأمور إقليمياً.
ثالثا؛ هامش التهدئة: المصالح المشتركة
١. سيناريوهات التعاون المدروس؛ واشنطن تمنح سفايا صلاحيات واضحة ومحدودة، وتنسّق مع الحكومة العراقية والأطراف الإقليمية، مع التركيز على استثمارات ومشروعات بنيوية شفافة، تحسّن اقتصادي محدود وتراجع تدريجي لاحتكاكات أمنية.
٢. سيناريو الضغط والمواجهة (محفوف بالمخاطر)؛ سفايا ينفّذ سياسات تصطدم مباشرة مع مصالح قادة الفصائل، مما يسبب ردود فعل سياسية وأمنية، وتعطيل مشاريع، وزيادة الاستقطاب.
٣. سيناريو الفشل الإداري (محبط)؛ غياب مهارات دبلوماسية أو فريق قوي يقود إلى إرباك داخل واشنطن وبغداد، لا إنجازات ملموسة وتراجع مصداقية المبعوث والولايات المتحدة.
توصيات عملية للعراق (ومن يهمه الموقف)
١. مطالبة بغداد بآلية تنسيق رسمية تتضمن تحديد صلاحيات وسقف عمل المبعوث من قبل الحكومة العراقية وسفارة واشنطن .
٢.ربط أي مشاريع استثمارية بشروط شفافية ومنافع محلية كي تُخمد الانتقادات الداخلية.
٣. الحفاظ على قناة دبلوماسية مستمرة مع طهران لتفادي سوء تفسير أي مبادرة أميركية على أنها تهدف للحد من نفوذها بالكامل.
٤. التركيز على الملفات التقنية (إعادة إعمار، الطاقة، مكافحة الفساد) بدلاً من النهج التصادمي في بداية الولاية.
تعيين مارك سفايا قرار يحمل طابعًا شخصيًا رئاسيًا ويمثّل محاولة لفتح نهجٍ عملي-اقتصادي مختلف في التعامل مع العراق، النجاح أو الفشل لن يحدد فقط بصفاته الشخصية بل بمدى وضوح الصلاحيات، والتنسيق مع بغداد، والحساسية الإقليمية تجاه طهران.
إذا ما أُدير الأمر بحنكة دبلوماسية وشفافية اقتصادية، فهناك فرصة لتحسين شقّ من العلاقات الأميركية-العراقية؛ وإلا فسنشهد توتّرات تزيد من تعقيد توازنات العراق الإقليمية.
ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								