في خطوة وُصفت بأنها الأشد منذ بداية الحرب الروسية–الأوكرانية، أعلنت الولايات المتحدة، فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، استهدفت هذه المرة عمق الاقتصاد الروسي المتمثل في قطاع النفط والغاز، ورغم أن العقوبات ليست جديدة في هذا الصراع، إلا أن هذا التصعيد الأمريكي يحمل مؤشرات عميقة ترتبط بتوازنات القوة الدولية، وبمحاولات واشنطن إعادة ضبط قواعد اللعبة في مواجهة موسكو.
تضمنت العقوبات الأخيرة إدراج شركتي Rosneft وLukoil، وهما من أكبر الشركات الروسية المنتجة والمصدّرة للنفط، ضمن قوائم العقوبات الأمريكية، وهذا يعني حظر التعامل المالي والتجاري معهما من قبل المؤسسات الأمريكية، وتجميد أصولهما في الولايات المتحدة، وفرض قيود صارمة على أي شركة أو دولة تتعامل معهما، ضمن ما يُعرف بـ”العقوبات الثانوية”.
هذا وقد تزامنت الخطوة الأمريكية مع حزمة أوروبية موازية، تضمنت حظر واردات الغاز الروسي المسال، واستهداف ما يُعرف بـ”أسطول الظل” الذي تستخدمه روسيا للالتفاف على القيود النفطية.
أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه العقوبات إلى تحقيق عدة أهداف منها :
١. إضعاف القوة المالية الروسية التي تموّل الحرب في أوكرانيا.
٢. إعادة ترميم الجبهة الغربية بعد التباينات السابقة بين واشنطن وبروكسل بشأن الموقف من روسيا.
٣. إرسال إشارة سياسية بأن واشنطن لا تزال تمتلك أدوات التأثير الكبرى في النظام الدولي خاصة في سوق الطاقة العالمي.
اللافت للنظر أن توقيت العقوبات يأتي في ظل تصاعد التوتر في أسواق النفط العالمية، ما يطرح تساؤلاً حول مدى قدرة الغرب على تحمّل ارتدادات اقتصادية قد تمس المستهلكين أنفسهم؟
الموقف الروسي
الرئيس فلاديمير بوتين وصف العقوبات بأنها “عمل عدائي خطير”، مؤكداً أن روسيا لن تغيّر سياساتها الخارجية تحت الضغط، ورغم اعترافه بوجود “خسائر مؤقتة”، فإن موسكو تراهن على
التقارب مع الصين والهند لتجاوز العقوبات عبر عقود طاقة طويلة الأمد، واستخدام الأسواق البديلة في آسيا وأفريقيا، وكذلك توسيع شبكة التبادل بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار.
هذا النهج يعكس ثقة موسكو بقدرتها على امتصاص الصدمة، كما فعلت خلال العقوبات السابقة منذ 2014.
التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية
على روسيا
من المرجح أن تُحدث العقوبات ضغطاً على الموازنة الروسية، خصوصاً مع تراجع العائدات النفطية وتقييد حركة الشركات الكبرى، إلا أن الاقتصاد الروسي أثبت مرونة نسبية في التعامل مع الأزمات بفضل احتياطات الذهب والعملة الصعبة.
تداعيات العقوبات على الأسواق العالمية
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً فور إعلان العقوبات، ما يشير إلى قلق الأسواق من تراجع الإمدادات الروسية، وهذا بدوره قد يُعمّق أزمة الطاقة العالمية، خصوصاً في أوروبا التي لا تزال تعاني من تبعات الحرب الأوكرانية.
تداعيات العقوبات على التوازن الدولي
هذه العقوبات قد تعيد رسم خريطة التحالفات العالمية، فكلما شددت واشنطن القيود على موسكو، كلما اقتربت روسيا أكثر من الصين وإيران، وهو ما يفتح المجال أمام تشكيل محور موازٍ للغرب اقتصاديًا وسياسيًا.
قراءة تحليلية
من الناحية التحليلية يمكن القول إن واشنطن تسعى لاستخدام سلاح الاقتصاد كسلاح استراتيجي بديلاً عن التصعيد العسكري المباشر، إلا أن نجاح هذه السياسة يعتمد على مدى التزام الحلفاء الأوروبيين بالتنفيذ، وعلى قدرتهم على تحمّل التبعات الداخلية.
العقوبات قد تُضعف روسيا مؤقتاً، لكنها في الوقت ذاته تدفع النظام الدولي نحو مزيد من الاستقطاب والاصطفاف الجيوسياسي، وهو ما يجعل العالم أمام مرحلة جديدة من “الحرب الباردة الاقتصادية”.
انعكاسات العقوبات على العراق والمنطقة
نرى أن هذه العقوبات ستنعكس بشكل غير مباشر على الشرق الأوسط والعراق تحديداً من خلال:
١. ارتفاع أسعار النفط ما قد يعزز إيرادات العراق لكنه يزيد في المقابل من تكاليف الطاقة المستوردة.
٢. تراجع الاستثمارات الروسية في المنطقة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تمدد الشركات الأمريكية.
٣. تعزيز موقع العراق كمصدر بديل للطاقة إذا أحسن استثمار اللحظة لصالحه.
العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا تُظهر أن واشنطن ما زالت تراهن على الضغط الاقتصادي لإعادة صياغة التوازنات العالمية، لكن؛ ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية وتبدّل التحالفات، يبدو أن العالم مقبل على مرحلة تعدد مراكز النفوذ، حيث لم تعد العقوبات وحدها كافية لفرض الإرادة الأمريكية كما في السابق.
إنها معركة طويلة الأمد بين الاقتصاد والسياسة، بين الدولار والنفط، وبين واشنطن موسكو على من يملك مفاتيح النظام الدولي الجديد.
 
															 
								 
															


 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								 
								