التهديد والردع: الصراع الإيراني – الإسرائيلي – الأميركي في 2025 وآفاقه الإقليمية والدولية

التهديد والردع: الصراع الإيراني – الإسرائيلي – الأميركي في 2025 وآفاقه الإقليمية والدولية
تشهد المنطقة تصعيدًا حادًا بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، مع تداعيات اقتصادية وسياسية واسعة، مهددة استقرار الطاقة والثقة الدبلوماسية، حيث تبقى الوساطات الدولية والحوارات الإقليمية فرصًا محدودة لخفض التوتر ومنع مواجهة شاملة....

يشهد الشرق الأوسط منذ منتصف عام 2025 تصعيدًا غير مسبوق في الصراع بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، خصوصا بعد سلسلة من المواجهات العسكرية التي كادت أن تتحول إلى حرب إقليمية مفتوحة.

هذا الصراع الذي يمتد من الميدان النووي إلى ساحات السياسة والاقتصاد، يعكس حالة اختلال في توازن الردع الاستراتيجي، ويطرح تساؤلات جدّية حول مستقبل الأمن في المنطقة وتأثيراته على النظام الدولي بأسره.

أولاً: جذور التصعيد والتحولات الميدانية

في يونيو 2025، شنّت إسرائيل سلسلة من الضربات الواسعة على منشآت نووية وعسكرية داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت مواقع في ناتنز وفوردو وأصفهان، وقد شاركت الولايات المتحدة لوجستيًا في هذه العمليات، ما أعاد إلى الأذهان نموذج التحالف العسكري التقليدي بين واشنطن وتل أبيب.

الرد الإيراني جاء سريعًا ومكثفًا؛ حيث أطلقت طهران مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف إسرائيلية، واخترق منظومات الدفاع الإسرائيلية، محدثًا أضرارًا مادية كبيرة، وهي أضرار ذات رمزية أكبر من حيث التأثير السياسي والإعلامي.

استمر القتال لأكثر من 12 يومًا قبل أن تتدخل وساطات إقليمية ودولية لفرض تهدئة غير معلنة، لكنها هشة وغير مضمونة الاستمرار، حيث أفضت إلى تقليل إيران من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرة أن المراقبة “لم تعد ذات جدوى” عقب تفعيل العقوبات الدولية مجددًا، وهو ما أثار مخاوف حقيقية من استمرار الأنشطة النووية دون رقابة.

ثانيًا: البعد الدولي والإقليمي للصراع

لا تقتصر تداعيات المواجهة بين الطرفين على طرفي النزاع المباشرين، بل تمتد إلى شبكة معقدة من المصالح الدولية و الإقليمية منها ما يتعلق؛

تأثيرات اقتصادية عالمية

فقد أعادت التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز شبح أزمة الطاقة العالمية، إذ يمر عبره ما يقارب 20% من نفط العالم، وأي تعطيل في حركة الملاحة بهذا الممر الحيوي سيقود إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط والغاز، مع انعكاسات مباشرة على الاقتصاد العالمي، ولا سيما الأوروبي والآسيوي.

في المقابل، يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوط هائلة نتيجة العقوبات وتراجع الصادرات النفطية، ما يزيد من هشاشة الوضع الداخلي ويفرض على طهران خيارات صعبة بين التهدئة والمواجهة، لكن في بعض الأحيان القرارات الصعبة تكون حتمية في هكذا مواجهات.

ارتدادات إقليمية

دول الخليج العربي تتعامل بحذر مع الأزمة خشية امتدادها إلى أراضيها أو التأثير على اقتصادها، في المقابل، تستخدم إيران شبكة حلفائها الإقليميين في ( العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) كورقة ضغط ميدانية وسياسية في مواجهة إسرائيل وحلفائها، الأمر الذي يربك الطرف الآخر وكيفية مواجهته من دون الحاق الضرر بحلفاء المنطقة التقليدين، كما أن استمرار الصراع يُضعف مسار التطبيع العربي – الإسرائيلي، ويعيد الاعتبار إلى الخطاب الداعي لتوازن العلاقات الإقليمية بدل التحالفات الثنائية.

المواقف الدولية

الولايات المتحدة تجد نفسها أمام معضلة مزدوجة: فهي تسعى لحماية أمن إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تحاول تجنب الانجرار إلى حرب شاملة جديدة في الشرق الأوسط، أما أوروبا، فقد أعادت تفعيل آلية العقوبات المعروفة بـ«سناب باك»، لكنها فقدت الكثير من قدرتها على التأثير المباشر، في ظل تراجع دورها الدبلوماسي، بينما تحاول روسيا والصين استثمار التوتر لتعزيز نفوذهما في المنطقة، سواء من خلال دعم إيران أو عبر لعب دور الوسيط الحذر في الوقت الراهن.

ثالثًا: التحديات الراهنة

التطورات في تسارع مستمر وأي حادث ميداني صغير مرشحًا لإشعال مواجهة واسعة بين الطرفين، وكذلك تآكل الثقة الدبلوماسية بين الأطراف الرئيسية، ما يُضعف فرص المفاوضات،

والأعباء الاقتصادية في الداخل الإيراني الإسرائيلي التي تجعل استمرار التوتر غير مستدام على المدى الطويل، ناهيك عن تصاعد المخاطر الإنسانية في حال توسّع العمليات، خاصة في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

رابعًا: الفرص الممكنة لتجنب الانفجار

رغم صعوبة المشكلة الا أن هناك ثمة فرص محدودة يمكن أن تُستثمر لخفض التوتر منها :

فتح قنوات حوار غير مباشرة برعاية دول محايدة مثل سويسرا أو سلطنة عمان، وربط الملف النووي الإيراني بمسار تهدئة إقليمي أوسع يشمل الأمن البحري والطاقة، وتفعيل دور المؤسسات الدولية في مراقبة احترام القانون الدولي الإنساني، وتوثيق الانتهاكات لحماية المدنيين، وتحييد الملفات الإنسانية عن المساومات السياسية لضمان استمرار المساعدات في مناطق النزاع.

يتجاوز الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة حدود المواجهة العسكرية، ليصبح صراعًا على موازين القوى في النظام الدولي الجديد، وإنّ استمرار حالة “الردع غير المستقر” سيُبقي الشرق الأوسط في دائرة الخطر، حيث يمكن لأي حدث عرضي أن يشعل مواجهة أكبر من قدرة الأطراف على السيطرة عليها.

وفي ظل غياب أفق سياسي واضح، يظل الأمل معقودًا على تدخل دولي أكثر توازنًا يضع أمن الشعوب فوق حسابات القوة، ويعيد للدبلوماسية موقعها الطبيعي كأداة لحل الأزمات لا لتأجيلها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *