مادة الاجتماعيات للصف السادس الابتدائي بالعراق

مادة الاجتماعيات للصف السادس الابتدائي بالعراق
يعرض النص نقداً عميقاً لواقع التعليم في العراق، مركّزاً على عبء المناهج المبالغ فيها التي تخنق فضول الأطفال وتضعف حبهم لبلدهم، داعياً إلى منهجٍ مبسّطٍ وممتعٍ يوازن بين الدقة العلمية والنموّ النفسي والإبداع التربوي....

يعاني الطلبة والتلاميذ في العالم من صعوبة التعلم في مادة الجغرافيا، وتهتم الدول كثيرا بدراسة هذه المشكلات؛ لذا تجري المراكز البحثية بين مدة وأخری استبانة واختبار لتقف عند أبرز المشكلات وتحاول حلها، وتجري اختبارات لمعلمي الجغرافيا وتدخلهم في دورات تأهيلية كثيرة، ويتم التركيز  علی طلبة  المرحلة الثانوية!! أما الأطفال فيتم تدريسهم المعلومات العامة عن جغرافيا بلدانهم، ولكن بطريقة ممتعة ويسيرة، تعتمد علی الرسوم والألعاب والمجسمات والموسيقی والأغاني والقصص والحكايات والمقاطع الفيدوية، فهم يدركون أن الطفل مستكشفٌ بالفطرة، ولديه رغبة في التعرف علی كل ماهو جديد، وبإمكانهم استثمار هذه الرغبة، وخلق المحبة في نفوسهم تجاه الجغرافيا، وكلنا نتذكر” مغامرات نيلز” المسلسل الكرتوني الشهير، وهو في الأساس رواية للكاتبة السويدية الحائزة علی جائزة نوبل للأدب “سلمى لاغرلوف” كتبت الرواية من أجل تعليم الأطفال جغرافيا السويد، وذلك بعد أن شخّصوا صعوبة تعلم الجغرافيا لدی التلاميذ، فعكفت ” لاغرلوف” ثلاث سنوات من أجل اتمامها، وحرصت علی إبراز الخصائص الاجتماعية لكل منطقة، فكانت النتيجة هذا العمل الرائع، لذاحصدت جائزة نوبل عام 1909، ووضعت صورتها على واجهة العملة الرسمية للسويد  (فئة 20 كرونا)!

قدّمتُ هذه المقدمة؛ كي أنتقل بعدها إلی مأساة الطفل العراقي، ومأساة الأسرة العراقية والمناهج التربوية ولاسيما مادة” الاجتماعيات” فعلی بلدان العالم استنساخ تجربتنا الإبداعية في تعليم الجغرافيا، إذ قمنا بوضع منهج يجمع بين الجغرافيا والتاريخ، منهج متشعب جدا، ودقيق جدا، ومفصل جدا، يضم تأريخ العراق ومدنه الآثارية ومواقعه التأريخية، والمراحل التأريخية لكل محافظة، والتقسيمات الإدارية، وتفاصيل المناخ لكل محافظة، والنشاط الزراعي والصناعي والنشاط السياحي، وكذلك الموارد المائية وأنواعها، والمشاريع المائية وأنواعها، وطرق النقل والمواصلات، كل ذلك في كتاب واحد موجه لتلاميذ السادس الابتدائي الذين أوقعهم حظهم العاثر؛ إذ جعلهم يعيشون في هذه المرحلة!

لماذا؟ ولصالح من يتم زرع  الكراهية تجاه خارطة العراق ومدنه؟

أليس في هذا  البلد من قرأ واطلع علی وسائل قتل الإبداع لدی الأطفال؟ ألم يطلع أحد فيهم علی  كتاب الاجتماعيات؟؟

هل الكتاب يصلح لطفل في السادس الابتدائي أم طالب في الكلية؟

إن هذا الكم الهائل من المعلومات، وإن كان دقيقًا، إلا أنه يضع الطفل في مواجهة عبء معرفي يفوق قدراته النمائية، ويغيب عن المنهجية التربوية الحديثة التي تُراعي نمو الدماغ والخيال والقدرة على الفهم التدريجي. وللأسف، يظل هذا الأسلوب حائلاً أمام إشعال شغف التلاميذ بالجغرافيا والتاريخ، ويؤدي إلى تنامي الإحباط بدل الإبداع. يجب أن تُعاد النظر في طرق تقديم المادة، بحيث تُقدّم عبر تجارب ممتعة ومبسطة، تحفز الفضول وتدعم التعلم الاستكشافي، مع الحفاظ على دقة المعلومات. هنا يكمن التحدي الحقيقي بين الطموح العلمي والممارسة التربوية الواقعية.

لماذا تغتالون  فطرة أطفالنا وشغفهم وحبهم للاستكشاف، وحبهم لبلدهم وجغرافيا بلدهم؟؟

وإلی متی تشكو الناس ولا سامع لهم ولامعين؟!

متی يتم العدول عن سياسية التربية والتعليم التي فُرضت علينا بعد تغيير النظام عام 2003؟

متی تستغني الناس عن المعاهد الخاصة المُكلِفة وتعود  الهيبة للمدرسة؟ من يسمع ومن يتابع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *