انها جمعة غالب الشابندر

انها جمعة غالب الشابندر
غالب الشابندر يجسد نموذج المثقف الواعي الصادق، المتمسك بعدالة الإمام علي وروح أبي ذر، الرافض للسلطة والفساد، الساعي لربط القول بالفعل وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الفقراء وأصحاب السلطة في واقعٍ مضطرب....

يوم الجمعة الماضي كان غالب الشابندر محط تقدير واعجاب الكثيرين ممن إلتقطوا معه الصور. شباب وكبار في السن كانوا يسلمون عليه بفرح كبير وكأنهم يرون فيه اشارة ارسلها لهم المستقبل بان الامور ستكون بخير, وستنتهي المعاناة والفساد وخراب البلد.

كعادته كان تلقائيا ومنشغلا بالحديث مع بائع كتب. وانا انظر اليه حيث اقف على بعد امتار تذكرت الروائي الارجنتيني ارنستو سباباتو وما قاله حين كان يحتفي به الاخرون ويسلمون عليه. فكرت وانا انظر الى هذا الرجل الكبير في السن كيف لم ينشغل بلعبة السياسة, ويصل الى هرم الامتيازات العالي وهو ليس بعيدا عن متناول يده. وفي زمن كزمننا فان الفرص لا تفوت. وعناد الشابندر وموقفه من السلطة والاحزاب وحديثه الجريء في نقد من يعرفهم من رفاقه في حزب الدعوة كل هذه الامور جعلتني ارى مشهدا رائعا تكرر كثيرا في حياة الناس وفي مختلف العصور.

الشابندر بين الوعي والعاطفة

لن اشك في ان غالب الشابندر اسير رجلين اثنين هما الامام علي وابي ذر الغفاري. وكلمة التاثر لا تفسر علاقته بهذين العظيمين ابدا. ربما يصح ان اقول ان وعي الشابندر تحول كليا الى عاطفة محضة تقود عقله بحيث انه قد يتخيل ان الامام علي عليه السلام قد يراه متلبسا بطمع دنيوي. لاقل بكلمة اكثر دقة:ان الشابندر مراقب على مدار الساعة. ومن يراقب على مدار الساعة فكيف سيفكر في امتيازات مرفوضة في مأثورنا الاسلامي.

اذا تغير الوعي بفعل صدمة ما او تعلق طويل بشخصية تاريخية فستكون النتيجة هذه:حرص على ارضاء النموذج الذي سكن الوعي. ولن تكون هناك رغبة تستطيع ان تسرق من الوعي نوره ومركزيته المتعلقة بنموذج عظيم. هل نحن اذن امام ابي ذر حديث مدني يستخدم الموبايل ويظهر في الفضائيات وينتقد السياسيين ممن كانوا في يوم من الايام اصدقاؤه المقربون. اجيب مطمئنا بكل تاكيد. اننا امام نسخة جديدة لمثقف يعكس لنا روح ابي ذر في لحظته اغترابه عن زمنه. لكن الشابندر واقعي جدا, ويفكر في عدالة اجتماعية تنصف الفقراء, وتخفف عنهم حرمانهم ومعاناتهم. انه يقف وسطا بين الاشتراكية وبين الراسمالية. وهذا بحد ذاته حلم من احلام المثقف الواقعي.

فما دامت الثروة موجودة فتحقيق العدالة ليس صعبا. هكذا يحدث الشابندر نفسه احيانا. بل هو يريد ان تنزل الطبقة السياسية الى منزلة الفقراء ويتقاسمون معهم كل شيء. يرغب الشابندر ان تتحول السلطة بكل قياداتها الى تجسيد حي من ايثار وسماحة الامام علي عليه السلام.

رؤية الشابندر للعدالة الاجتماعية

لكن ما يثير اعجاب من يتصور مع غالب الشابندر يثير في الوقت نفسه تساؤلي الشخصي بشأن قدرة الانسان على عزل نفسه عن واقعه وتبرير افعاله دائما وكأنه لا يخطيء.

ما يزعج الشابندر في السياسة العراقية بالذات هو هذا:فصل الواقع عن الافكار. السياسون يتحدثون لغة رائعة عن الحرية وتوزيع الثروة والعدالة ووحدة المكونات لكن التطبيق العملي لافكارهم غير موجود. هنا يظهر دور الشابندر. انه الصوت الذي صنع نغمته الشخصية بعيدا عن كل حديث لرفاق دربه القدامى. لقد عزل نفسه عن لعبة فصل الواقع عن الافكار وقام بمحاولة رائعة في دمج القول بالفعل. ما يقوله الشابندر يفعله, هذه هي مشكلته. وهذه ايضا هي رسالة القران في الدعوة الى ربط القول بالفعل. لذا تعاطف الناس مع الشابندر واحبوه. اما هذا اللف والدوران اللذين نراهما في حديث السياسة كل يوم فهو مما يزعج كل مثقف يحترم نفسه. ولعل ما تجدر الاشارة اليه ان الشابندر يواصل نشر كتبه دون ان يتوقف عند محطة المعارض المالوف الوجه في الفضائيات, ذلك لان ما سيتبقى من الشابندر هو فكره الذي يحمل صدق معارضته وثورته الشبيهة بثورة ابي ذر الغقاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *