تتجه الأنظار إلى صناديق الاقتراع بعد أقل من شهرين، بينما يخيم شبح الانقسام على البيت الشيعي في العراق. ففي الوقت الذي تعبئ فيه الكتل الأخرى صفوفها، تتصدر المشهد دعوة سماحة السيد مقتدى الصدر إلى مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة في تشرين الثاني 2025. هذه الدعوة أثارت عاصفة من التكهنات والاتهامات السطحية التي تصل إلى حد التخوين، محذرة من أن المقاطعة ستؤدي إلى فقدان المكون الشيعي للسلطة أو إحداث خلل كارثي في موازين القوى، غير أن قراءة قرار السيد الصدر بعمق، بعيداً عن الانفعالات التي لا طائل منها، قد تكشف عن رؤية استراتيجية أكثر تعقيداً لا تهدف إلى الانسحاب، بل إلى إعادة توجيه دفة العملية السياسية من موقع القوة والتأثير. فالحكم السلبي على قرار المقاطعة هو حكم متسرع يفتقر إلى قراءة الخلفية السياسية للسيد مقتدى الصدر الذي أثبت في مراحل مفصلية سابقة صحة تقديراته وبُعد نظره للمخاطر الإقليمية. فهو يعي تمامًا أن غيابه سيمنح خصومه فرصة لملء الفراغ السياسي وحصد مقاعد لم يتمكنوا من تحقيقها بنفس السهولة كما حصل في الانتخابات الماضية، مما أتاح لهم فرصة الاستفراد بالدولة، وهو أمر يحرص على عدم تكراره. كما أنه يدرك أن مقاطعة أنصاره للانتخابات ستحدث خللاً خطيراً في موازين المكون السياسية، خاصة في المناطق المختلطة مثل بغداد وديالى وصلاح الدين، وهو ما يشكل تهديدًا على استقرار المشهد الوطني.
حتى مع غياب تمثيله المباشر في البرلمان، يمتلك السيد الصدر أدوات ضغط واسعة تمكنه من التأثير على تشكيل الحكومة المقبلة. عبر شبكاته الاجتماعية والسياسية، يمكنه حشد الدعم الشعبي للتأثير على قرارات الكتل الأخرى. كما يمكنه استخدام الإعلام وقنواته المجتمعية لضمان تنفيذ سياسات تلبي رؤيته الإصلاحية. هذه الاستراتيجية تمنحه قدرة على الضغط دون الانخراط المباشر في معارك المحاصصة التقليدية.
السيستاني ودور المرجعية
ولا نغفل أن السيد مقتدى الصدر ابن المرجعية، ولا يمكن أن يتقاطع معها، والتي تبَين من خلال المقربين منها أنها تحث على المشاركة في الانتخابات لإبعاد الفاسدين واختيار الأصلح كسبيل للإصلاح. لذلك، أعتقد أن السيد مقتدى الصدر سيوجه أنصاره قبل الانتخابات للتصويت لقائمة إصلاحية معينة، وليست لديها فصائل مسلحة، وتمتلك مقبولية وحظوظاً في الشارع العراقي. وهذه المواصفات تنطبق على قائمة السيد السوداني، مما يتيح فرصة حصد عدد لا يقل عن مائة مقعد على حساب مقاعد خصوم الصدر السياسيين، اضافة للتحالف مع المستقلين والقوائم المدنية الأخرى، لأنه يعتقد انه ستكون له القدرة على استبعادهم من الحكومة القادمة، دون الدخول في صراعات المحاصصة التي أراد الابتعاد عنها. وهنا يمكن للسيد الصدر ممارسة تأثيره من خارج العملية السياسية الرسمية، ويمكنه أن يمارس ضغطاً مباشراً أو غير مباشر على القرارات السياسية، حتى لو لم يكن ممثلاً في البرلمان. فهل سيحصل ذلك شاركونا رأيكم .


