شارع الرشيد إعجاز يسرّ الصديق ويغيظ العدو

شارع الرشيد إعجاز يسرّ الصديق ويغيظ العدو
يبرز النص التحوّل الكبير لشارع الرشيد من رمزٍ حضاري مهمل بعد سقوط النظام، إلى مشروعٍ متجدد في عهد السوداني، حيث أُعيد تأهيله بمعايير معمارية حديثة وخط ترام كهربائي، ليصبح مركزًا سياحيًا نابضًا يعكس هوية بغداد....

في مطلع ستينات القرن الماضي وخلال فترة حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، زرت بغداد لأول مرّة مع المرحوم والدي وحينها كنت طفلا في الثامنة من العمر ، وبحكم عمل والدي في خان الشابندر الشهير قرب جسر الشهداء حيث مركز تجارة الذهب بالجملة في ذلك الوقت ، وكان لزاما أن نمر من خلال شارع الرشيد قلب بغداد ومركزها التجاري والتاريخي إلى خان الشابندر ، حينها كان شارع الرشيد في عصره الذهبي ليس فقط لأنه الشريان الاقتصادي للبلد فحسب ، بل كان صورة العراق المشرق وتاريخه وتراثه الحضاري ، ولا زلت أتذكر خيرة أطباء العراق ( أنور الأوقاتي واليهودي گرجي ربيع وعبد الهادي السباك ) والعشرات من كبار أطباء العراق .. وحين انتقلت للدراسة في  الجامعة المستنصرية في منتصف السبعينات كنّا نسير مشيا على الأقدام يوميا من ساحة الميدان إلى الباب الشرقي مرورا بمقهى أم كلثوم وشربت الحاج زبالة ومقهى البرلمان ومطعم تاجران وكباب وگص الإخلاص وقوزي أين سمينة الشهير والشورجة والسوق العربي ..

الشارع بين الإهمال والخراب

هذا الشارع الذي شاع صيته في ذلك الزمان والذي كان قبلة لكل من يزور العراق ، تحوّل بعد سقوط النظام الديكتاتوري إلى خراب وأكوام من النفايات ومركزا للجريمة ، فغادره أهله وبات يحكي قصة مأساة العراق وشعبه ونظامه السياسي..

ومما يثير الأمر حزنا وألما أنّ الحكومات التي أعقبت سقوط الطاغية لم تلتفت لخراب هذا الشريان الاقتصادي ، بل وأهملته وتركته يحتظر ويموت بتلك الصورة المأساوية .. وشاء قدر العراقيين أن يحكمهم زعيما سياسيا شابا قد أدمى قلبه شارع الرشيد كما أدمى قلوب العراقيين كافة ، ليشمرّ عن ساعديه ويعلن عن إعادة الحياة لشارع الرشيد قلب بغداد وشريانها بشكل حضاري متميّز ويتلائم مع تاريخ هذا الشارع ..

نهضة شارع الرشيد في عهد السوداني

وها هو  السوداني يفتتح يوم أمس المرحلة الأولى من إعادة تأهيل شارع الرشيد والتي تمتّد من ساحة الميدان إلى ساحة معروف الرصافي .. وليعلن في الوقت ذاته عن بدأ المرحلة الثانية من تأهيل شارع الرشيد والتي تبدأ من ساحة الرصافي إلى الباب الشرقي وبذات المواصفات الفنيّة والهندسية والمعمارية التي تسر النظر وتعيد البسمة والفرح بهذا الإنجاز العظيم ..  ولأول مرّة سيتوسط الشارع خط سكة ترام وهو وسيلة نقل تقليدية يعمل على الكهرباء أي أنه صديق البيئة .. وهو هو الشارع الذي لقى أنفاسه في زمن الحكومات السابقة تحوّل اليوم إلى مركز سياحي يعج بالآلاف من الزائرين ، وها هي إيجارات المحال التجارية ترتفع بشكل كبير في هذا الشارع .. فوالله ثمّ والله لو كان السوداني لم ينجز أي عمل خلال فترة رئاسته للوزارة غير تأهيل شارع الرشيد ، لاستحقّ ليس فقط الولاية الثانية ، بل حتى الثالثة والرابعة ، ويكفي السوداني فخرا وعزّا أنّ الحياة قد عادت في زمنه إلى شارع الرشيد .. فتحيّة لباني نهضة العراق الجديد محمد شياع السوداني ، وتحيّة إلى أمانة بغداد التي أنجزت هذا العمل العظيم ، وتحية للبنك المركزي العراقي ورابطة المصارف الخاصّة والبنك العراقي للتجارة ، وتحيّة للكوادر التي أنجزت هذا العمل الذي أعاد الزهو إلى شارع الرشيد ، وتحية لأصحاب المحال التجارية الذين تناغموا مع هذا العمل الكبير وغيروا نشاطهم التجاري .. فلمثل هذا فليعمل العاملون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *