نرى اليوم في المجتمع العراقي عمائم كثيرة في كل مكان: في المساجد، في الحسينيات، في المحافل، وحتى على مواقع التواصل.
وهذا في ظاهره أمر يبعث على الطمأنينة، لأن العمامة كانت دومًا رمزًا للهداية، وعنوانًا للعلم، ورايةً للدين.
لكن السؤال الذي يتكرر على ألسنة الناس: لماذا لا نشعر بتأثير هذه الكثرة؟ لماذا لا نرى أثرًا يوازي هذا الحضور؟ لماذا يزداد عدد المعممين ويتراجع وعي الناس، ويضيع الشباب، وتبهت القيم؟
هل صارت العمامة غاية اجتماعية مثل ما راينا بعضهم في ليلة وضحاها تحول إلى شيخ ؟
هل تحوّلت إلى لقب لا يُطلب منه علم ولا موقف وبعض الاحيان يتم الدخول تحت مسمى قوي ويبدا التسلق وخداع الناس بمدح رمز هذا التوجه لكسب الحصانه؟
وهل يُفترض أن نسكت عن تراجع الأثر لمجرد أن صاحب الكلام يلبس عمامة؟
المنتشرون في السوشل ميديا الذين يتعاملون بمزاجية مع الشريعة فيسوقون الحديث دون معرفه؟
العمامة ليست زيًا يُلبس، بل عهد يُحمَل.
ومن يلبسها، فقد ارتضى لنفسه أن يكون في موقع البلاغ، والهداية، وتربية الناس فكيف ان صار بعضهم هو يحتاج لذلك وكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه.
ولهذا فان الإنسان لا يُسأل عن شكله، بل عن أثره، وعن صدقه، وعن علمه، وعن مواقفه في القضايا الكبرى.
لكن الواقع يقول إن عددًا لا يُستهان به من المعممين لا يملكون علمًا حقيقيًا، ولا وعيًا دينيًا عميقًا، ولا قدرة على التواصل مع العصر، فضلًا عن غياب الموقف أو الرسالة.
بعضهم يعيش في تكرار لا ينتهي، يردد ما حفظه من قصص وخطب، دون مراجعة أو تجديد أو مساءلة.
وبعضهم يصمت حين يجب أن يتكلم، أو يجامل حين يجب أن يعترض، أو يركض خلف المجالس والأضواء، لا خلف التغيير والإصلاح.
والأنكى من هذا هي المقايسات بين الانبياء واهل البيت صلوات الله عليهم وبين غيرهم وهذه الانحرافات الفكرية اخطر ما يمكن ولا تراها إلا من الطارئين على هذا المسلك الكريم والذين يشترون بها رضا المخلوق بسخط الخالق او يعتاشون على هذه الميكافيلية بسبب فراغهم العلمي فيسلكون منطق اشهدوا لي عند الامير.
نحن لا نرفض العمائم ( وهذا ضرب من الجنون لاننا منهم )، بل نشتاق لعمائم تُشبه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام):
تفقه، وتبني، وتواجه، وتواسي، وتعيد للأمة صوتها ووعيها.
نحن ضد تجهيل العمامة واستخدامها في غير مجالها ومحلها وموقعها. فالذي ينبري للحديث عن حزب باع رسالته لانه لم يتكلم بالعموم وهذا من حقه حيث الرسالة تتطلب ذلك الشعور بالمسؤولية لكنه مؤدلج وتابع تحدث عن دائرة ضيقة لعلها تكره إلى فقدان العدالة بسبب عاطفي او غيره. ومن يدافع عن مذهبه ودينه ليس طائفيا لكن الاعتداء على الآخرين او تكفير المختلف يعني انه لم يفقه من الاسلام شيئا أبدا ومضاره اكثر من نفعه وغيرها.
حين تتحول العمامة إلى مجرد مظهر، أو وسيلة للكسب، أو سلطة اجتماعية لا يصحبها مسؤولية، تفقد قيمتها الرمزية.والحديث لا يخص الشيعة دون السنة لاننا ان تحدثنا عن الاغلبية في العراق فهم أقلية بالمجموع العالمي وتوجيه الكلام لكلا الطرفين.
الناس لم تعد تنخدع بالزي، بل تنظر إلى ما وراءه:
هل هذا الخطيب أو الشيخ يحمل فكرًا؟
هل يتحدث بوعي؟
هل يواجه الانحراف؟
هل يعيش آلام الناس؟
هل يفكر في مستقبل الدين؟
أم أنه فقط يُكثّف العاطفة، ويستثمر البكاء، ويكرر الموروث دون وعي أو تجديد؟
فالانسان يبحث عن مدى صدقهم، لا قولهم.
وقد اشار القران الكريم إلى هذا بقوله:
“كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” [الصف: 3].
وفي نهج البلاغة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
“وإن من أبغض الخلق إلى الله رجلٌ وكّله الله إلى نفسه، جائرٌ عن القصد، سائر في الغي، غير مُعتب، ولا واعظ له إلا في نفسه.”
هكذا وصف من يتقدم للناس بغير علم ولا تقوى.
رسالتي الى كل معمّم مخلص، متواضع، يحمل الرسالة بصدق:
أنت أمل هذه الأمة، فاصبر واثبت، ولا تيأس، فالكلمة الصادقة لا تضيع ومهما حصل فان الله بالمرصاد فتوكل عليه واصمد في تبليغ رسالات الله.
ولكل من لبس العمامة ليُرى، لا ليهدي:
تذكّر أن العمامة مسؤولية أمام الله والناس، لا وسيلة للسلطة أو المال أو الشهرة وأن كل ما تجلبه لها من سمعة ليست طيبه فان اثم اتباعها في رقبتك إلى يوم الدين.
وللناس نقول:
لا تقدّسوا العمائم، بل قيّموها بالعلم، والموقف، والصدق، والخلق.
فالعمامة لا تُبجَّل لأنها موجودة، بل لأنها صادقة وأمينة وعاملة.
فالعدد لا يكفي، ما لم يكن خلفه أثر.
والزي لا يُغني، ما لم يكن تحته عقل وضمير.
وكما أن كثرة الدكاترة ( راجع المقال الاول) لا تُغيّر الواقع بلا وعي، فكذلك كثرة العمائم لا تُهدي بلا صدق.
والمؤمن سيرى في ماكتبت انني شاركته همه والمنافق والمقصود سيتخذ من قولي وسيلة للإساءة والتهجم وفي كلا الأمرين لن ينصرك غير الله ولا يخذلك غيره فهو المرجو في الشدة والرخاء.
والأثر يدل على المسير والسلام
ترقبوا المقال القادم.