في عالم متغير تموج فيه التحولات السياسية والاقتصادية، تتجلى أهمية الواقعية السياسية كخيار استراتيجي للدول التي تسعى للحفاظ على استقرارها وتعزيز مكانتها. وفي العراق، تبنت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هذا النهج كركيزة أساسية في إدارة الدولة، مستندةً إلى قراءة دقيقة للمواقف الداخلية والخارجية، بعمل دؤوب ومنظم يجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتقدير الواقعي للتحديات والفرص.
بين التحديات والفرص: قراءة مدروسة للواقع
أدركت الحكومة العراقية الحالية أن الأحداث لا تسير وفق مسار ثابت، بل تتغير وفق معطيات سياسية واقتصادية متشابكة. ومن هذا المنطلق، انتهجت الدولة سياسة قائمة على قراءة مدروسة لكل الاحتمالات، واضعة في الاعتبار التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على العراق، سواء داخلياً أو خارجياً. وتبرز هذه المقاربة من خلال تعاطي الحكومة مع القضايا الإقليمية والدولية بحكمة وتوازن، ساعيةً للحفاظ على سيادة العراق بعيداً عن سياسات المحاور والاستقطابات.
التوازن السياسي: مفتاح الاستقرار الوطني
لعل أبرز ما يميز نهج السوداني هو القدرة على تحقيق توازن سياسي بين مختلف الأطراف، داخلياً وخارجياً، وهو ما ساهم في تعزيز الاستقرار الوطني. فالحكومة عملت على تحقيق سياسة وسطية تجمع بين المصالح الوطنية والانفتاح على القوى الإقليمية والدولية، في ظل بيئة مشحونة بالصراعات والاستقطابات الحادة. وقد أتاح هذا النهج للعراق فرصة الاستمرار في مسار البناء والتنمية بعيداً عن التدخلات الخارجية التي قد تهدد استقراره.
الإنجازات الاستراتيجية والبعد الواقعي للإصلاح
على المستوى الداخلي، عمدت الحكومة إلى اتخاذ قرارات حقيقية ذات تأثير فعلي، انعكست على مزاج الشارع العراقي وساهمت في تحويل مسار الدولة من الأزمات المتكررة إلى تحقيق إنجازات ملموسة. لم يكن الأمر مجرد شعارات استعراضية أو خطوات دعائية، بل اعتمدت الحكومة على منهجية تقوم على النتائج الواقعية التي عززت ثقة الشعب بالحكومة.
وفي هذا السياق، نجحت الدولة في تبني سياسات اقتصادية ومالية تعكس ثقل العراق في المنطقة، مستفيدةً من موارده الضخمة لضمان استدامة مشاريع البناء والتنمية. فالتخطيط السليم والتوجه نحو استثمار الثروات الوطنية بوعي ومسؤولية أسهما في تحقيق منجزات تعزز مناعة الدولة أمام التحديات الاقتصادية العالمية.
العراق بين النفوذ الإقليمي والضغوط الدولية
من أبرز التحديات التي واجهتها حكومة السوداني هو التعامل مع التوترات الإقليمية، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران. وقد سعت الدولة إلى النأي بنفسها عن هذه الصراعات، مجنبة العراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات. إلا أن هذا الحياد الإيجابي لم يكن موقفاً سلبياً، بل جاء في إطار سياسة واعية تأخذ في الاعتبار مصالح العراق العليا وتعمل على تحقيق الاستقرار بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
لكن هذا التوازن ليس أمراً سهلًا، إذ يواجه العراق تحديات سياسية داخلية، أبرزها التشرذم في الصف السياسي الشيعي، حيث لا يزال هناك خلافات بين القوى الشيعية في السلطة، ما يجعلها عرضة للتهديدات والاختراقات. إدراكاً لهذا الخطر، فإن نقطة القوة الحقيقية تكمن في توحيد الموقف السياسي وتقدير خطورة المرحلة، خاصة مع التحذيرات المتزايدة من قبل الإدارة الأمريكية، والتي تتطلب استجابة حازمة تستند إلى التخطيط السليم والوحدة الوطنية.
في ظل ما حققته الدولة من استقرار سياسي وأمني، بات لزاماً على القوى الشيعية تجاوز حالة التشرذم والانقسام، واستثمار هذا الهدوء الاستراتيجي في تعزيز مكانتها السياسية ضمن الإطار الوطني. فالشارع العراقي، الذي بدأ يستشعر ثمار التحولات الإيجابية، يتطلع إلى وحدة سياسية تعكس نضجاً ووعياً بمصلحة العراق العليا. إن استثمار هذه المنجزات والانطلاق نحو رؤية مستقبلية تتجاوز المصالح الفئوية الضيقة، هو السبيل الوحيد لترسيخ دورهم في المشهد السياسي العراقي والإقليمي بصورة أكثر استقرارًا وتأثيراً.
الواقعية السياسية: ضرورة لتعزيز سيادة الدولة
إن تبني الدولة للواقعية السياسية ليس مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة ومتغيرات المشهد الإقليمي والدولي. ومن هذا المنطلق، فإن القوى السياسية العراقية مطالبة بدعم هذا النهج، والعمل على ترسيخ مبادئ التنظيم والتضامن الوطني بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة.
إن العراق اليوم أمام فرصة تاريخية للتحول إلى دولة قوية ومتماسكة، قادرة على مواجهة التحديات وتعزيز مكانتها في المنطقة. وهذا لن يتحقق إلا من خلال رؤية استراتيجية تجمع بين الحكمة السياسية والإدارة الفعالة، وهو ما بدأ يتجلى في سياسات حكومة السوداني، التي توازن بين متطلبات الداخل ومتغيرات الخارج.
بين الحلم والواقع يبقى الحلم بعراق قوي ومتماسك هدفاً مشروعاً، لكن تحقيقه يتطلب التخطيط الدقيق والعمل الجاد، في ظل نهج سياسي متزن يوازن بين المصالح الوطنية والتحديات الإقليمية. الواقعية السياسية التي تبنتها الدولة ليست مجرد تكتيك مرحلي، بل استراتيجية تستوجب الدعم من جميع القوى السياسية، لتأسيس عراق قادر على مواجهة المستقبل بثقة واستقرار.