Search
Close this search box.

فهم كلمة النبي إبراهيم (عليه السلام) *”ولكن ليطمئن قلبي”* في ضوء النصوص القرآنية والروايات

فهم كلمة النبي إبراهيم (عليه السلام) *"ولكن ليطمئن قلبي"* في ضوء النصوص القرآنية والروايات
كما أن ثباته في امتحانات النار والذبح قدّمه نموذجًا فريدًا في الإيمان والتسليم، حتى استحق أن يكون خليل الله....
بسم الله الرحمن الرحيم
إن النبي إبراهيم (عليه السلام) من أعظم أنبياء الله الذين ابتلاهم الله بأشد الاختبارات، فثبت وصبر حتى بلغ أعلى درجات القرب منه، حتى استحق مقام “الخُلة”، وهو مقام لا يُمنح إلا لمن بلغ الكمال في الإيمان والطاعة. ومن المواقف التي تبيّن سعيه (عليه السلام) نحو اليقين الكامل قوله: > ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (البقرة: 260). قد يُساء فهم هذه الآية على أن إبراهيم (عليه السلام) كان يشك في قدرة الله تعالى، ولكن النصوص القرآنية والروايات الواردة ترفع هذا الوهم وتوضح مقصده (عليه السلام). سياق الآية الكريمة النبي إبراهيم (عليه السلام) كان إيمانه راسخًا يقينيًا، كما وصفه الله تعالى: > ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ (الأنعام: 83). فهو الذي حطّم الأصنام وجابه الطغاة ولم يتزعزع إيمانه، فكيف يُتصور أنه يشك في قدرة الله على الإحياء!؟ إنما أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين، أي أنه كان يعلم أن الله يحيي الموتى، لكنه أراد أن يشاهد ذلك بعينه لأن علامة الخليل أن يحيي الله له الموتى ليرتقي إلى مرتبة أعلى من اليقين.
الرواية المفسّرة للموقف ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: > “إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله أوحى إليه أني متخذ من عبادي خليلاً، فخاف إبراهيم أن يكون ذلك غيره، فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على ما أخبرته به”. المصدر: الشيخ الصدوق، علل الشرائع، الجزء الأول، باب 132، الحديث رقم 1. كما نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار، الجزء 12، صفحة 66. الرواية تشير إلى أن إبراهيم (عليه السلام) أراد التأكد من أنه هو المقصود بالخُلة الإلهية، وهو مقام خاص يُمنح لأفضل خلقه.
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) وثباتهم في الإيمان إن العصمة من الصفات الأساسية للأنبياء، وهي تعني أنهم لا يقع منهم خطأ أو تردد في الإيمان، بل هم في قمة الكمال البشري. وعليه، فإن طلب إبراهيم (عليه السلام) لم يكن بدافع الشك، وإنما بدافع تحقيق أرقى درجات اليقين بمقامه، لأن الإنسان كلما ازداد قربًا من الله، ازداد سعيه لليقين التام. إبراهيم (عليه السلام) واختبار النار لم يكن طلب إبراهيم (عليه السلام) رؤية الإحياء هو الاختبار الوحيد الذي مر به، بل تعرض لابتلاءات عظيمة أظهر فيها أعلى درجات الثبات والتسليم لله. حين تحدى قومه وحطّم أصنامهم، قرروا الانتقام منه بإلقائه في نار عظيمة، حتى قيل إن الطيور كانت تحترق إن مرت فوقها. ورغم ذلك، ظل إبراهيم (عليه السلام) ثابتًا، متوكلًا على الله. جاءه جبريل (عليه السلام) يسأله: “هل لك حاجة؟”، فقال: “أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم”. فكانت النتيجة أن الله تعالى تدخل بمعجزة عظيمة، وقال للنار: > ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء: 69). فخرج منها سالمًا، في أعظم مثال على الثبات أمام المحن.

اختبار الذبح: قمة التسليم والطاعة لم يكن اختبار النار آخر امتحان في حياة إبراهيم (عليه السلام)، بل جاءه اختبار أشد، وهو أمر الله له بذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام). رأى إبراهيم (عليه السلام) في المنام أنه يذبح ابنه، ولم يتردد في تنفيذ الأمر، فقال لابنه: > ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ (الصافات: 102). فجاء رد إسماعيل (عليه السلام) في قمة الإيمان والتسليم: > ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102). فلما استسلما لأمر الله، ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه، جاء الفرج الإلهي: > ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107). كان هذا الامتحان قمة في الابتلاء، لكنه كشف عن الطاعة المطلقة التي امتثلها إبراهيم (عليه السلام) وابنه إسماعيل (عليه السلام)، وهو ما جعلهما قدوة للمؤمنين في التسليم لأوامر الله مهما بلغت صعوبتها. الخاتمة إن موقف النبي إبراهيم (عليه السلام) في قوله ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ هو دليل على كمال إيمانه وسعيه لتحقيق اليقين الكامل بمقامه كخليل لله تعالى. وقد أوضحت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أن طلب إبراهيم كان مظهرًا من مظاهر التواضع أمام عظمة الله، ولم يكن في أي لحظة يشك في قدرة الله على الإحياء. ومن هنا يتضح أن الأنبياء (عليهم السلام) معصومون عن الشك، وأن طلب إبراهيم كان طلبًا لكمال المعرفة وزيادة الاطمئنان، وهو أمر يدل على علو درجته الإيمانية.

كما أن ثباته في امتحانات النار والذبح قدّمه نموذجًا فريدًا في الإيمان والتسليم، حتى استحق أن يكون خليل الله. نسأل الله تعالى التوفيق لخدمة الدين ، بمحمد وآله الطيبين الطاهرين. والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *