Search
Close this search box.

إضاءات نقدية في ضوء مشروع اسلمة العلوم الإسلامية – للباحث الشيخ محمد الساعدي

إضاءات نقدية في ضوء مشروع اسلمة العلوم الإسلامية - للباحث الشيخ محمد الساعدي
كان إنسانا جميلا لكننا نختلف كثيرا، احب فيه زهده حد اللامبالاة، نختلف لأن عقله مغلق وعقلي حر، احيانا يفكر بطريقة خرافية غريبة...

 

كان إنسانا جميلا لكننا نختلف كثيرا، احب فيه زهده حد اللامبالاة، نختلف لأن عقله مغلق وعقلي حر، احيانا يفكر بطريقة خرافية غريبة، لكنه أخلاقي زاهد، متعفف عابد)، هذا ما قاله المفكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي عن الراحل الدكتور محمود البستاني، والدكتور البستاني (١٩٣٧ _٢٠١١) شاعر، أديب، ناقد ومفكر إسلامي، وكتاب الشيخ الساعدي بصفحاته التي تزيد على المئتين بثلاثين صفحة أراد به المؤلف بعد سبر اغوار الدكتور البستاني العالم البسيط المتواضع ان يوضح الجهد الذي بذله الدكتور الراحل كي يقف على المشروع الذي نذر الراحل نفسه من أجله مشروع اسلمة العلوم الإنسانية، فيقول الشيخ الساعدي في مقدمته للكتاب :(فنحن في إزاء تحول واسع ومسؤوليات ضخمة تتطلب في كل مفصل منها بذل الجهد وملاحقة الأعمال التي تتسم بالعمق والتأصيل ومقاربة قضايا العصر في سبيل تجاوز أسوار التحدي القائم بنجاح يؤكد فاعلية الفكر الإسلامي في رسم مختلف المضمونات التي تتكفل بصياغة المجتمع وفق ارفع المستويات، ولا تبتعد كثيرا، وقد وقع اختيارنا في مشروعنا هذا على شخصية يصعب الحديث عنها، إذ تتسم بخصوصيات معرفية ضخمة مما تجعل الباحث مترددا في محاولة الوقوف على ما افرزته من نتاجات شملت أكثر من حقل معرفي أمثال :النفس، الاجتماع، الفن، الآداب… الخ)، ويضيف الشيخ الساعدي أيضا :(الواقع ان اسهامات البستاني حافلة بكل ما هو جاد وأصيل، فالملاحظ انها تنطلق من منظومة تتسم بالعمق والموسوعية الجادة، بحيث يقف المتلقي او الدارس أمام طاقة تعبيرية وزخم هائل من الرؤى المبدعة إلى جانب الأدوات الأخرى التي يعتمدها البستاني في بلورة أفكاره ونظرياته)،ويتوضح من كلام الشيخ المؤلف ان اختياره لهذه الشخصية لم يأت اعتباطا وإنما عن دراية وخبرة لما يحمل هذا الرجل من مشروع يعمل عليه، ويؤكد في مدخل الكتاب عندما يقول :(ان أعمال البستاني تهدف إلى إبراز عالمية المفهوم الإسلامي عبر توظيف النص الإسلامي مع حقول المعرفة الإنسانية وفتح آفاق التثاقف المشروطة بلحاظات الأصالة والالتزام، كما تعمل على دفع عناصر الخلق والإبداع في سبيل مواصلة الحضور الفاعل أمام افرازات الطرف الآخر) ص١٦، قسم السيخ الساعدي كتابه على سبعة فصول، درس في الفصل الأول الجذور الاولى للراحل اجتماعيا وثقافيا وكيفية تشكل وعيه الثقافي في بيئة تعد مرمزا مهما من مراكز الإشعاع الفكري في العالم الإسلامي، فيقول المؤلف :(انه مستكمل لجميع أدوات المعرفة، موروثها وحديثها وهذا لم يتم الا لانفار معدودين) ص٢٧، اما الفصل الثاني وعنوانه :(مشروع اسلمة العلوم الإنسانية) فقد اتبع فيه الشيخ الساعدي منهجا خاصا في توضيح ما اراده الدكتور الراحل في مشروعه فينقل إجابة على سؤال سئل به الدكتور البستاني حول هذا المشروع وكيف كانت البدايات ومتى تبلورت لديكم؟… أجاب البستاني على ذلك قائلا :(عندما اتجهت إلى الكتابة الإسلامية وجدت أن الزمن الذي نعيش فيه يتطلب ان نواكبه من جانب وان نحقق هويتنا الإسلامية من جانب اخر، وتجئ العلوم الإنسانية في مقدمة ضروب المعرفة التي يحتاج إليها الإسلام لتوصيل مبادئه الي الآخرين ومن هذه العلوم علم النفس والتربية والاجتماع) ص٣٨، اعتمد الشيخ الساعدي على هذه الإجابة وقسم الفصل الثاني على حقول لهذه العلوم فبدا بالحقل النفسي دارسا فيه كتاب الدكتور البستاني (دراسات في علم النفس الإسلامي) فيذكر ان احد الباحثين أشار في دورية إسلامية تعنى باسلامة العلوم قائلا :(ومن المحاولات التي بذلت في الاتجاه الاخير تلك التي قام بها محمود البستاني عام ١٩٨٨ وفيها يحاول بناء علم نفس إسلامي على اساس شيعي) مجلة المسلم المعاصر، د. فؤاد ابو حطب ص١٤٣، وفي الفصل نفسه يتحدث المؤلف عن الحقل الاجتماعي ونشاط الدكتور البستاني فيه بدراسة كتابه الموسوم (الإسلام وعلم الاجتماع) فيقول :(والكتاب _كسائر كتبه _حافل بالجدة والرصد والتاطير بما يوافق وجهتنا الايديولوجية، إذ شحن فصوله الأربعة بأهم تصورات المذاهب الاجتماعية الحديثة مع ترديف النظرات المطروحة بموقف الفكر الإسلامي من حيث التحفظ او القبول او التاسيس الذي ينفرد بجوانبه الحقل الإسلامي خاصة، ودون ان يلجأ إلى تحميل النص الشرعي مالا يستسيغه) ص٥١، وينتقل الشيخ المؤلف إلى حقل ثالث لايقل أهمية عن سابقيه هو الحقل الأدبي فيبدا بعنوان (النظرية الأدبية) فتقرا :(فما ان تبرز على السطح مدرسة أدبية جديدة وتتبدى للجميع معالم القوة والجدة فيها… لتفاجئ الوسط العام بما هو أحدث واعمق منها معلنة عن موت السابقة ومجتذبة الانظار نحو مكامن الاثارة والابتكار التي تستبطنها معطياتها الحديثة باطراد مستمر) ص٥٦، ويعطي مثالا على البنيوية وكيف أعلن دريدا موتها واتجه اتجاهها جديدا نحو التفكيكية، ويستمر المؤلف في تفصيل رأي الدكتور البستاني في اسلمة النظرية الأدبية إذ تنشط على قسمين :الأول :نظري تخطيطي ويستشهد بكتابه (الإسلام والفن) والثاني :تطبيقي عملي وكتاب (تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي) هو محوره الآخر في الشرح، ثم ينتقل إلى فقرة أراها مهمة هي النقد الأدبي، ولااكتمكم سرا في أن الدكتور البستاني وكتابه (في النظرية النقدية) هو الاشهر والاوفر حظا عند الباحثين من اي ضرب من ضروب المعرفة التي اشتغل عندها، ويبدأ المؤلف بشرح تفصيلي لهذا الكتاب المهم لما رافقه من اعلام كبير حوله حين اصداره، إذ يعد من أفضل الكتب التي صدرت في ذلك العام لما فيه من مفهومات طرحها لها صلة بالنقد كالتاريخ الأدبي والدراسة الأدبية وتحديد ماهيتها وتحديد ماهية النقد نفسه من حيث استقلاله او تبعيته، ومادام الشيخ يكتب عن النظرية النقدية عند الدكتور البستاني فكان قريبا من البلاغة وراي الراحل عنها، فكتب عن القواعد البلاغية في ضوء المنهج الإسلامي درس فيه الشيخ محاولات الباحثين العرب في البلاغة ومن ثم انبرى يصف الكتاب وصفا جميلا شارحا شموليته واستيعابه لجميع القواعد البلاغية والتي اغفلها الذين كتبوا قبله…. ويذكر الشيخ المؤلف موقف البستاني من الشعر فيتحدث عن شاريته المبكرة والجنبة التجديدية فيها ومن ثم الاسهامات الإصلاحية، اما الفصل الثالث فيعطيه المؤلف عنوانا هو (الحقل التفسيري والنشاطات القرآنية) وللدكتور البستاني محاضرات وابحاث في هذا الحقل وضحها المؤلف مع شرح مفصل لمنهج البستاني في التفسير، وفي الفصل الرابع يدرس صاحب الكتاب الجانب الفقهي عند البستاني عارضا له مسائل كثيرة يعطي رأيه فيها وكأنه مجتهد له استنباطه الخاص به، ثم ينتهي إلى تقسيم نشاطاته الفقهية بحداثة اللغة والتركيز العلمي والموضوعية الجادة والسعة والشمول…. وكان الفصل الخامس بعنوان (الوعي العبادي) وتوقفت عنده كثيرا كي أجد معنى لهذه العبارة المشوشة عندي (الوعي العبادي) مالمقصود بها؟.. ثم أجد الشيخ لم يبخل في شرحها شرحا مفصلا وجدت ضالتي فيه، اي ان السماء ومبادئها حاضرة دائمة بجانب المعرفة التي يتناولها بالدراسة والتحليل النقدي، اما الحوار المتنوع الذي تضمن جملة من القضايا فقد كان محور الفصل السادس، وهو مجموعة أسئلة وجهت إلى الدكتور البستاني واجاب عليها موضحا موقفه ورايه الصريح في جميع ماطرح، واخترت سؤالا منها انقله إليكم مع اجابته عنه، السؤال :من المعلوم انكم تحملون شهادة في مضمار النقد الأدبي، فيا حبذا لو كشفتم لنا سبب اختياركم لهذا الفرع من المعرفة دون غيرها؟ أجاب الدكتور البستاني قائلا :(الواقع ان اختياري للنقد الأدبي _وقد درست في جامعة القاهرة _كان بسبب ان النقد الأدبي هو من الفروع المعرفية الحديثة في ذلك الوقت والانسان عندما يريد أن يوصل أفكاره إلى الآخرين عليه أن يتوسم بلغة وثقافة العصر، فاخترت النقد الأدبي الحديث ومن جانب اخر تقترن عملية النقد بضروب متنوعة من المعرفة الإنسانية كعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة… الخ)، اما الفصل السابع والأخير من الكتاب فقد خصه الشيخ الساعدي لما قيل عن البستاني على لسان كتاب ومفكرين وكذلك ماكتب عن سيرته وعن مؤلفاته في الكتب والمراجع.

واخيرا سررت ايما سرور عند قراءتي لهذا الكتاب المهم بأني تعرفت على هكذا شخصية أنجبتها النجف المدينة الولادة العطاء، وكذلك للاسلوب والمنهج الممتعين للشيخ محمد الساعدي مؤلف الكتاب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *