مأزق تحالف «تصميم» في البصرة

مأزق تحالف «تصميم» في البصرة
تحالف "تصميم" في البصرة يواجه أزمة سياسية بسبب غياب المؤسسات السياسية المنظمة، وعدم وجود معارضة قوية، مما يفتح المجال لقوى السلاح للتأثير على القرار المحلي. التحديات تشمل أيضًا الأزمات البيئية ونقص الخدمات....

ناشط سياسي و حقوقي

يواجه تحالف «تصميم» الذي شكّل الحكومة المحلية في محافظة البصرة مأزقاً سياسياً حقيقياً، لم يعد محصوراً بإدارة يومية أو خلافات داخلية، بل بات ينعكس بصورة مباشرة على مجمل العمل السياسي في المحافظة. ويتزامن هذا المأزق مع تحرك جدي من المركز، وضمن قوى الإطار التنسيقي تحديداً، باتجاه إعادة النظر بشكل إدارة البصرة، والسعي إلى تفكيك التصميم السياسي وإضعاف هويته. هذا المسار لا يستهدف الأشخاص بقدر ما يطال البنية الفكرية والسياسية التي قام عليها التحالف.
قراءة في مأزق «تصميم»
الإشكال الجوهري داخل تحالف «تصميم» يتمثل في غياب المأسسة الحزبية والسياسية. فالتحالف لم يتحول إلى كيان منظم يمتلك هياكل واضحة وآليات قرار مستدامة وحاكمية سياسية متفق عليها تحمي التفاهمات وتمنع نقضها. ونتيجة لذلك، أصبح القرار السياسي رهينة الاجتهاد الفردي، حيث يعمل كل طرف وفق تقديره الخاص، ما أضعف وحدة الموقف وفتح المجال للفوضى، وجعل التحالف هشاً أمام الضغوط الداخلية والخارجية.
كما أخفق التحالف في بناء مساحة صحية للمعارضة السياسية داخل المحافظة. ففي التجارب السياسية المستقرة، تُعد المعارضة صمام أمان يساهم في تصحيح المسار وضبط الأداء، لا تهديداً للسلطة. إلا أن غياب هذا الدور في البصرة جعل المشهد مكشوفاً وقابلاً للانقلاب عند أول هزة سياسية.
إلى جانب ذلك، بقي تحالف «تصميم» محصوراً ضمن إطار اجتماعي وقبلي ضيق، دون توسعة سياسية حقيقية تستوعب النخب، والشباب، والقوى المدنية، رغم محدودية تأثير الأخيرة. ومع ذلك، كان بالإمكان بناء تفاهمات مرحلية معها تمنح التحالف عمقاً مجتمعياً وسياسياً أكبر، إلا أن هذا الخيار لم يُفعّل، ما جعل التحالف سهل الاختراق وقابلاً للتفكيك.
من هنا، تبدو المرحلة المقبلة أقرب إلى صراع وجود سياسي لا صراع مناصب. فالمركز يفكر بإعادة رسم الخارطة السياسية للمحافظات المؤثرة، والبصرة في مقدمتها. وإذا لم يُجرِ تحالف «تصميم» مراجعة شاملة وبأفق بعيد، فإنه مهدد بفقدان دوره تدريجياً وإخراج المحافظة من دائرة القرار المحلي الفاعل. فالسياسة ليست عناداً ولا مواجهة صفرية، بل حوار وجذب وبناء تحالفات مرنة قادرة على الصمود.

فراغ المعارضة و صعود قوى الأمر الواقع : مخاطر تهدد القرار المحلي
الأخطر في هذا السياق هو غياب معارضة منظمة وحقيقية، لأن هذا الفراغ يفتح المجال أمام قوى السلاح المرتبطة بالمركز للصعود التدريجي، والتحول من أدوات ضغط إلى سلطة أمر واقع، بما يهدد استقلالية القرار المحلي في البصرة.
وعلى مستوى الأداء التنفيذي، لا يمكن تجاهل بعض الخطوات الإيجابية التي قامت بها الحكومة المحلية بقيادة تحالف «تصميم»، خصوصاً في فتح باب الاستثمار بالمجمعات السكنية، وتحسين بعض البنى التحتية، وإنشاء مساحات خضراء، ومعالجة ملف التجاوزات. كما شملت هذه الجهود تحسيناً نسبياً في البنى التحتية لمطار البصرة الدولي، وتسهيل الإجراءات الإدارية، والمساهمة في إنعاش حركة الطيران وربط البصرة بالمحيطين الإقليمي والدولي، وهو ملف يرتبط مباشرة بالمكانة الاقتصادية والاستثمارية للمحافظة. وإلى جانب ذلك، سعى المحافظ إلى توظيف العلاقات الإقليمية، لاسيما مع دول الخليج، عبر الرياضة والمدينة الرياضية، إضافة إلى تفعيل المنافذ الحدودية لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة.
في المقابل، برزت أزمة ملوحة المياه كأحد أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على الشارع البصري، لما رافقها من أضرار صحية وبيئية واقتصادية، ولما تسببت به من غضب شعبي واسع وفقدان ثقة بالإجراءات الحكومية. هذه الأزمة كشفت هشاشة المعالجات المستدامة لملف المياه، وضعف التنسيق بين الحكومة المحلية والجهات الاتحادية، وأعادت إلى الواجهة شعوراً متراكماً لدى المواطنين بأن القضايا الوجودية، كالماء والصحة، لا تزال تُدار بردود أفعال مؤقتة لا بحلول استراتيجية جذرية.
إلى جانب ذلك، سُجّلت ملاحظات جدية تتعلق بتقييد حرية التعبير والانتقاد، حيث أشارت تقارير حقوقية وشهادات بعض المعتقلين إلى تدخلات غير مهنية في مسار التحقيقات، ما أثر سلباً على صورة الإدارة المحلية وعمّق فجوة الثقة مع المجتمع.
كما لم تشمل التنمية جميع الأقضية والنواحي بالعدالة المطلوبة، إذ عانى شمال البصرة والزبير من نقص واضح في الخدمات، رغم وجود حقول نفطية كان يفترض أن تشكل رافعة تنموية واستقراراً اجتماعياً.
أما الاستثمار العقاري، فرغم أهميته، إلا أنه لم يعالج أزمة السكن بشكل جذري، إذ اقتصر على الفئات الميسورة، بينما بقيت شرائح واسعة من الموظفين، والعسكريين، وأصحاب المهن، والكسبة، والعاطلين عن العمل، دون حلول واقعية تتناسب مع دخولهم المحدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *