ملائكة ستقود الحكم في العراق… أم شياطين تتعاقب على الكرسي؟

ملائكة ستقود الحكم في العراق… أم شياطين تتعاقب على الكرسي؟
يقدّم النصّ نقدًا أدبيًا لواقع العراق، حيث اختلطت القيم واضطربت السياسة، وانتشر الفساد وانهارت المؤسسات، فيما تتلاشى وعود “الملائكة” الحاكمة. ويخلص الكاتب إلى أنّ العراق يحتاج بشرًا صادقين لا شعارات، يعيدون للدولة هيبتها وللوطن اتزانه....

كلُّ شيء في العراق صار مشوّشًا؛ الاتجاهات ضاعت، والشرق صار غربًا، والجاذبية نفسها قلبت اتجاهها، حتى البوصلة ما عادت تصدّق القبطان.

تداخلت الدكتاتورية بالديمقراطية، فصار الرئيس المنتخب ملكًا يورِّث الحكم، وصار الدكتاتور يترقب نتائج الانتخابات. العسس يسرقون، والسارق ينتظر مدفع الإفطار، والعدو يرتّب أوراقنا، بينما ابن البلد يحمل شوال النقود المسروقة ويضع على عينيه قناع الشرف.

الحكومات المؤتمنة افترشت السوق، تعرض الوظائف كما تُباع الخضار: وظيفة الموظف بـ2500 دولار، المعلّم بـ50، والحارس بـ100 لأنه — كما يقولون — يعرف أماكن السرقة جيدًا!

حتى الخادم له سعر، فكل شيء يُشترى ويُباع إلا كرامة المواطن… فهي مؤجلة إلى إشعار آخر.

صارت الغانية سيّدة أولى، والعفّة في آخر الطابور.

وسيدنا ابن الفقير ليتفرعن، وتركنا ابن الغني لأنه “شبعان”. ولا ندري ما سرّ كرسي السلطة؛ فمن يجلس عليه يصبح معصومًا فجأةً، كأن المقعد يغسل الذنوب ويوعد صاحبه بالجنة وقصرٍ فيه هواء نقي وبحيرة أسماك ملوّنة… بينما خارج الأسوار دخان وسموم وفقر يأكل ما تبقى من روح الناس.

أما الطرقات فموحشة، تملؤها التكاتك وقطاع الطرق، والليل فيها طويلٌ لا يقطعه إلا ضوء هاتف أو صرخة محتاج.

المدارس فقدت هيبتها، الجامعات تنتج العقول، لكن الأحزاب تنتج الكراسي.

وأما المسؤولون الذين بشّرونا بأن “ملائكة ستقود الحكم”، فقد ظهرت أجنحتهم فقط أمام الكاميرات، ثم اختفت خلف دفاتر الصفقات والتحاصص.

المشهد اليوم مسرحية بلا مؤلف:

الممثلون لا يفهمون نصوصهم، والجمهور يعرف النهاية ولا يستطيع مغادرة القاعة.

صار الحرامي “سيادة”، والمرتشي “بطلًا”، والمواطن الفقير “مندسًّا”.

وبين كل هذا الخراب المنظّم، يقال لنا:

اصبروا… الملائكة تعمل بصمت.

لكن الحقيقة أن العراق لا يبحث عن ملائكة، بل عن بشر… بشر يخافون الله والناس، يعرفون معنى الأمانة، ويستحون من الكرسي إن ظلموا.

بشر يعيدون للبوصلة صدقها، وللصوت قيمته، وللوطن هيبته.

أما “الملائكة” التي بشّرونا بها…

فقد غادرت قبل إعلان النتائج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *