هذه وصيّتي

هذه وصيّتي
الوصية تدعو للأمانة، الإيمان، الصمود، وحب فلسطين كمقياس للحق والخلود. تحث الأسرة والأصدقاء على المقاومة بالفكر والعمل، وترسيخ القيم، واعتبار الموت في سبيل الحق حياة أبدية ومعنى للوجود الإنساني....

في لحظات الصفاء الأخيرة، حين يهدأ الجسد ويستيقظ القلب، يولد في الإنسان صوتٌ أعمق من الحياة، اسمه الوصيّة.

ليست الوصيّة كلامًا يُقال بعد الرحيل، بل استمرارُ الوجود في هيئة فكرة. هي محاولةُ الروح أن تبقى حيّةً في الذاكرة، أن تمدّ يدها إلى الغد بعد أن يُغلق الغياب بابه.

منذ فجر التاريخ، كانت الوصايا جسرًا بين الفناء والخلود. تركها الأنبياء لتبقى كلماتهم تنير الزمن، وتركها الأحرار ليقولوا للناس إن الإنسان يُقاس بما يترك لا بما يملك.

وأنا اليوم، أكتب وصيّتي، لا وداعًا، بل وعدًا جديدًا مع الذين أحبّهم.

يا زوجتي، يا رفيقة العمر في الحلم والعناء،

كنتِ لي سكينةً في العاصفة، وصلاةً في ليالي الغياب.

إن نسيتِ شيئًا، فلا تنسي أنّي أحببتكِ حبًّا يتجاوز الوجود، وأنّي كنت أراكِ وطناً حين ضاقت بي الأوطان.

أوصيكِ أن تزرعي في قلوب أولادنا حبّ الطريق الذي مشيناه، طريق الإيمان والكرامة، طريق الذين لا يساومون على الحقّ ولو جاعوا، لأن الجوع بشرفٍ أكرم من الخبز بثمن.

وأمّا أنتم، يا أبنائي، يا من سيحملون اسمي بعدي،

احملوا الحقيقة كما تُحمل الأمانة، ولا تتركوها تضيع في زحمة المصالح.

كونوا سيوفًا للعدل، وأقلامًا للضمير، واذكروا أنّ الله لا يقيس الإنسان بما يملك، بل بما يدافع عنه.

اجعلوا فلسطين بوصلتكم، فهي ليست حدودًا من الرمل، بل وجه الله على الأرض، المرآة التي يُختبر فيها صدقُ القلوب.

من ينسى فلسطين ينسى نفسه، ومن يترك مقاومتها يترك ضوءه في العتمة.

أوصيكم بالمقاومة، فهي ليست رصاصًا فقط، بل فكرٌ وإيمان.

هي استمرارُ الحياة في وجه الموت، وصوتُ المظلوم حين يخرس العالم.

من يتركها يترك إنسانيته، ومن يتمسّك بها يكتب اسمه في سفر الخلود، ولو لم يحمل سلاحًا.

وإلى رفاق الدرب،

إلى الذين سهروا معي على جمر الطريق، وصنعوا من الألم أملًا، ومن الخوف صلابة،

اعلموا أنّ الطريق لا ينتهي بغياب أحدنا، لأنّ الفكرة أقوى من الأجساد، ولأنّ من سار على درب الله لا يُغلب وإن سقط.

لا تنسوا أنّ الحلم الذي سقيناه بالدم لا يجوز أن يُترك للعطش.

هذه وصيّتي…

أن تبقوا كما تمنّيت أن أكون: مؤمنين لا ينحنون، وأحرارًا لا يُشترون.

اذكروني لا بالدموع، بل بالثبات، كلّما رأيتم علمًا يُرفرف أو مجاهدًا يمضي إلى الميدان.

ضعوا اسمي في صلواتكم، لا حنينًا، بل عهدًا على الاستمرار.

ولا تجعلوا قبري مكانًا للبكاء، بل محطةً يتذكّر فيها العابرون أنّ الحقّ أطول من الزمن، وأنّ الموت في سبيله حياة.

فالحياة ليست ما نعيشه، بل ما نتركه في قلوب الآخرين، والخلود ليس أن تبقى الأجساد، بل أن تبقى القيم حيّةً لا تموت.

هذه وصيّتي إليكم جميعًا…

أن تحبّوا الله من خلال عدلكم،

وأن تحبّوا الناس من خلال مقاومتكم،

وأن تظلّ فلسطين في قلوبكم قبلةً لا تغيب،

فمن حفظها، حفظ وجهه في مرآة الخلود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *