نظام الحكم الرئاسي… الطريق نحو إنقاذ العراق من الفوضى

نظام الحكم الرئاسي... الطريق نحو إنقاذ العراق من الفوضى
يدعو النص إلى استبدال النظام البرلماني العراقي بنظام رئاسي قوي بضوابط دستورية، بدعوى إنهاء المحاصصة والشلل التنفيذي واستعادة وحدة القرار والسيادة، وتعزيز المحاسبة المباشرة للرئيس أمام الشعب، وبناء مؤسسات قادرة على فرض القانون ومواجهة نفوذ الأحزاب والميليشيات...

من يتأمل تاريخ العراق السياسي الحديث، يدرك أن ما يعيشه البلد اليوم من أزمات متراكمة وفوضى متجددة لا يمكن الخروج منه إلا من خلال إعادة نظام الحكم الرئاسي بصلاحيات كاملة، تُمكِّن الدولة من فرض القانون وبناء مؤسسات قوية غير خاضعة لابتزاز الأحزاب ونفوذ المليشيات.

مأزق النظام البرلماني وولادة الشلل السياسي

فمنذ أكثر من عشرين عامًا، والعراق يدور في حلقة مفرغة من الفساد وسوء الإدارة وتغوّل الأحزاب على مؤسسات الدولة، حتى باتت المناصب تباع وتشترى، والولاء يُقاس بالمكاسب لا بالكفاءة. لقد خلق النظام البرلماني القائم توازنات هشة تُقيد القرار التنفيذي وتجعل الحكومة أسيرةً للمساومات السياسية والصفقات الحزبية. فكل وزير يدين بالولاء لحزبه لا للدولة، وكل مدير عام يتبع الكتلة التي دعمته، وليس المصلحة العامة. هذه البنية جعلت الدولة العراقية شبه عاجزة عن فرض القانون أو تنفيذ مشروع وطني حقيقي.

إنّ النظام البرلماني في صيغته الحالية لم يخلق تعددية سياسية ناضجة، بل فتح الباب أمام المحاصصة والولاءات الفرعية، حتى أصبح البرلمان نفسه أداة للتعطيل لا للتشريع، وميدانا للصراع لا للحوار. فبدل أن تكون الكتل السياسية حارسة للدستور، صارت تتقاسمه كما تتقاسم الغنائم، ما أدى إلى تآكل الثقة بين المواطن والدولة وانحسار الأمل بإصلاح حقيقي من داخل هذا النظام.

الدولة بين الفساد والتهديد

لا خدمات تليق بالمواطن، ولا أمن مستقر، ولا اقتصاد قادر على النهوض، لأن القرار الحقيقي لم يعد بيد الحكومة، بل أصبح موزعًا بين مكاتب الأحزاب وقادة الفصائل الذين يتحكمون بالمنافذ والموانئ والعقود والمشاريع. وهكذا ضاعت هيبة الدولة، وتحولت السلطة التنفيذية إلى واجهة شكلية تحكمها قوى الظل.

إن الموظف الشريف اليوم يخشى على حياته إن حاول كشف صفقة فساد تخص حزبًا أو جهة متنفذة، فكيف يمكن بناء دولة في ظل هذا الخوف؟ وكيف يمكن للنزاهة أو القضاء أن يؤدي دوره فيما الأيادي السياسية تمتد فوق الجميع؟ لقد أصبح الفساد في العراق منظومة متكاملة تحمي نفسها بنفسها، تتغلغل في الاقتصاد والإدارة والإعلام، وتمنع أي محاولة إصلاح حقيقية من الداخل.

لقد فقد المواطن ثقته بالمؤسسات العامة، فصار يرى الدولة خصمًا لا حاميًا، وأصبح الانتماء للوطن شعورًا مهددًا لا قيمة آمنة. فحين يتساوى الفاسد والمخلص في المعاملة، وينجو السارق من العقاب، ويتعثر الشريف في أبسط إجراء، تتحول العدالة إلى شعار فارغ لا أثر له في حياة الناس.

غياب القرار الوطني وتعدد الولاءات

أما على الصعيد الخارجي، فإن غياب القرار الوطني المستقل جعل العراق ساحة مفتوحة للتجاذبات بين الشرق والغرب، في وقت تُقطع فيه المياه من قبل تركيا وإيران دون أي موقف حازم أو رد وطني يليق بسيادة بلد مثل العراق. لقد تحولت السياسة الخارجية العراقية إلى ردود أفعال متناقضة، تفتقر إلى رؤية واضحة، لأن الداخل نفسه يعيش تعدد المراكز والولاءات.

إنّ ضعف القرار الوطني أفقد العراق قدرته على رسم سياساته بنفسه، وأصبح رهينة للتوازنات الإقليمية التي تستغل انقسامه الداخلي. فكلما تغيّر الموقف الدولي، اهتزت مواقف بغداد. لقد فقد العراق القدرة على لعب دوره التاريخي في المنطقة، لا لأنه يفتقر إلى الإمكانات، بل لأنه لا يمتلك مركز قرار واحدًا يعبّر عن إرادة الدولة لا إرادة الأحزاب.

لماذا النظام الرئاسي؟

من هنا، فإن الحل الحقيقي لا يكمن في تبديل الوجوه أو تدوير المناصب، بل في تغيير النظام السياسي نفسه نحو نظام رئاسي قوي يمتلك قرارًا وطنيًا موحدًا، ويستند إلى دستور واضح يحد من نفوذ الأحزاب، ويمنح الرئيس صلاحيات تمكنه من محاسبة الجميع دون خوف أو تردد.

النظام الرئاسي، إذا ما صُمّم وفق ضوابط دستورية دقيقة، يضمن وحدة القرار ويمنع تعطيل المشاريع، ويخلق مسؤولية واضحة أمام الشعب. الرئيس في هذا النظام يُحاسَب مباشرة من المواطنين لا من تكتلات حزبية مغلقة، مما يعزز الشفافية ويعيد الثقة بالمؤسسات. كما أن وجود سلطة تنفيذية قوية يعني نهاية مرحلة التوافقات المشلولة التي عطلت التنمية وأضعفت الدولة.

وليس المقصود هنا استبدال الديمقراطية بسلطة الفرد، بل تأسيس توازنٍ جديدٍ يعيد الانضباط إلى الدولة، ويضمن أن يكون الرئيس مسؤولًا أمام الدستور والشعب، لا أمام الكتل السياسية. فالرئاسة ليست نقيض الديمقراطية إذا وُضعت ضمن نظام مؤسساتي يضمن الفصل بين السلطات والرقابة الفعالة، بل هي شرطٌ من شروط استقرارها في الدول التي خرجت من أزمات الانقسام والفوضى.

العراق بين الحاجة إلى القرار والبحث عن الهيبة

إن العراق بحاجة اليوم إلى رجل دولة لا رجل حزب، وإلى قرار وطني واحد لا قرارات متناقضة، حتى يستعيد مكانته وهيبته ويخرج من نفق الفوضى الذي طال أمده. فبعد سنوات من التجارب العقيمة، لم يعد الشعب العراقي بحاجة إلى شعاراتٍ جديدة، بل إلى دولةٍ تمتلك عقلًا إداريًا وقرارًا وطنيًا مستقلًا.

إنّ بناء الدولة يبدأ من استعادة ثقة المواطن، وهذه الثقة لا تعود إلا حين يشعر أن القانون فوق الجميع، وأنّ السلطة التنفيذية لا تُدار من وراء الكواليس. النظام الرئاسي هو الفرصة الأخيرة لإحياء مفهوم الدولة الحديثة في العراق، دولة المؤسسات القوية والقرار الواضح والمحاسبة الجريئة، دولة لا تخضع للابتزاز ولا تركع أمام الميليشيات أو المحاصصة.

فلا إصلاح حقيقي دون قوة تنفيذية حازمة، ولا دولة حقيقية دون نظام رئاسي يعيد للعراق سيادته وكرامته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *