المقدمة:في خضمّ التحديات الأمنية والاجتماعية التي يواجهها العراق، تتزايد ظاهرة دخول العمالة الأجنبية إلى سوق العمل المحلي، وعلى رأسها العمالة السورية. ورغم أن كثيرًا من هؤلاء يبحثون عن لقمة العيش بعد ويلات الحرب، إلا أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الفقر، بل في ما قد يتسلل من خلاله. إن ما يجري في سوريا من ظهور فصائل داعشية واجنبية متطرفة وامساكها بمفاصل الدولة وحكومتها يجعل من التدقيق الأمني ضرورة قصوى لضمان عدم اختراق المدن العراقية. وهكذا تتحول القضية من مجرد مسألة اقتصادية إلى أولوية أمنية وطنية، حيث يكون الحذر يقظة والوعي سلاحًا . أولًا: العمالة والاختراق الأمني المحتملتؤكد الوقائع السابقة أن الجماعات الإرهابية لطالما استغلت الظروف الإنسانية للنفاذ إلى الدول المستقرة. وقد دخل بعض الأفراد إلى العراق بصفة عمال أو نازحين، ثم انخرطوا لاحقًا في شبكات مشبوهة، أو عملوا على جمع المعلومات وتحريك الخلايا النائمة. هنا لا بد من التوقف: المسألة لم تعد تشغيل يد عاملة أجنبية فحسب، بل خلل أمني محتمل يتطلب معالجة حازمة ويقظة مجتمعية. فكل عامل مجهول قد يكون مشروع تهديد مؤجل، وكل ورشة عمل غير مراقبة قد تتحول إلى ثغرة أمنية. ثانيًا: الخطر الناعم — حين يتخفّى التطرف في ثوب العملما عاد الإرهابي مسلحًا ظاهرًا، بل قد يكون عاملاً بسيطًا، أو تاجرًا صغيرًا، أو سائقًا يحمل هوية مزورة وسيرة غامضة. هذا ما يُسمّى اليوم بـ “الخطر الناعم”: خطر يتقدّم ببطء، دون ضجيج، مستغلًا انشغال الناس في شؤونهم اليومية وثقتهم المفرطة بالعلاقات الاجتماعية. إنّ التراخي في التحقق من الهويات، أو التغاضي عن قوانين العمل، قد يفتح الباب أمام تسلّل الفكر المتطرف أو عناصر ذات ارتباطات مشبوهة. وهنا، لا تكون الأجهزة الأمنية هي خط الدفاع الأول، بل الوعي المجتمعي، الذي يسبق الإنذار ويمنع الاختراق. ثالثًا: مسؤولية أرباب العمل وأصحاب المحلاتيقع على أصحاب المحلات والمصانع والورش مسؤولية كبرى في هذا الملف. فالقانون يلزمهم، والواجب الوطني يحثّهم، على الالتزام بالتدقيق والشفافية في تشغيل العمالة الأجنبية. ولذلك، ينبغي اتباع الإجراءات التالية بدقة:1. التحقق من الهوية والإقامة القانونية قبل تشغيل أي عامل أجنبي. 2. عدم إيواء أو كفالة أي شخص مجهول أو بلا وثائق رسمية. 3. تبليغ السلطات فورًا عن أي سلوكٍ مريب أو معلومات غير متطابقة يقدمها العامل. 4. الاحتفاظ بسجلات دقيقة لهويات العاملين ومواقع سكنهم. 5. التعاون مع الجهات الرقابية والأمنية لضمان عدم تسلل أي عناصر خارجة عن القانون. إنّ تنفيذ هذه الخطوات ليس فقط إجراءً قانونيًا، بل وسيلة لحماية الاقتصاد والأمن الوطني من الخطر المستتر الذي قد يبدأ من متجرٍ صغير وينتهي بكارثة كبيرة. رابعًا: التوصيات والإجراءات الوقائيةبعد أن بيّنا وجه الخطر، ننتقل إلى ما يجب فعله:1. تشديد الرقابة الأمنية على المنافذ الحدودية ومتابعة جميع الوافدين من مناطق النزاع، لا سيما سوريا، وفق آليات تحقق دقيقة. 2. إلزام جميع العمالة الأجنبية بالتسجيل الرسمي لدى وزارة العمل والداخلية، ومنع التشغيل غير الموثق في الأسواق أو الورش الخاصة. 3. تخصيص مراكز استقبال وفحص مؤقتة للنازحين واللاجئين قبل السماح لهم بالانتقال إلى المدن، مع تدقيق سجلاتهم الأمنية بالتعاون مع المنظمات الدولية. 4. إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة لمتابعة العمالة الأجنبية وتنظيم وجودها القانوني. 5. تعزيز التوعية العامة بين أصحاب العمل والمواطنين بخطورة التهاون مع أي جهة أو فرد مجهول الهوية أو غير موثق رسميًا. 6. تفعيل الدور الإعلامي والتثقيفي في التنبيه إلى المخاطر الناعمة التي قد تتسلل من وراء ستار العمل أو اللجوء الإنساني. الخاتمة:الخطر الناعم لا يُرى بالعين المجردة، بل يُكشف بالوعي والإجراءات. وما بين الوافد الباحث عن رزقٍ شريف، والمتسلّل الذي يخفي نوايا خبيثة، يبقى الفرق هو التحقق الأمني الدقيق والالتزام بالقانون. إنّ مسؤولية الحفاظ على استقرار العراق لا تقع على الأجهزة الأمنية وحدها، بل تشمل كل مواطنٍ وصاحب عملٍ وتاجرٍ، لأن الإهمال الفردي قد يتحوّل إلى تهديدٍ جماعي. فليكن شعار المرحلة:“الحذر الواعي بدل الخوف الأعمى.” |


