بعد النني بل ننوس لجنة التحقيق جابت لو بعدهى

بعد النني بل ننوس لجنة التحقيق جابت لو بعدهى
ينتقد الطرحُ ظاهرةَ اللجان التحقيقية في العراق التي تتحول إلى أدواتٍ سياسية للتسقيط قبل الانتخابات، مركّزًا على لجنة البصرة كأنموذجٍ للتسويف والفساد الإداري، ومعبّرًا بسخرية عن فقدان الثقة الشعبية في جدوى التحقيقات الحكومية...

في يومٍ ما، كانت الحافلات الخاصة بنقل الركاب من البصرة إلى بغداد معروفة لدى جيل الطيبين، وكان أشهرها نوع يُعرف بـ(الريم).

أحد المسافرين كان قادمًا من بغداد إلى البصرة، وعلى طول الطريق كان سائق الحافلة يشغّل أغنية للفنان الراحل رياض أحمد، وهي الأغنية المعروفة “الولد نام يمه يمه”. ويبدو أن السائق لم يكن يمتلك غير هذه الأغنية.

انزعج أحد الركاب وقال بصوتٍ عالٍ باللهجة البغدادية: “لك عيني، شعلت أبوه للولد نام وشبع نوم؟ لك داد، متطفي المسجل؟”

قصة (الريم) لا تختلف كثيرًا عن قصة لجنة التحقيق في مخالفات حكومة البصرة. فكل فترة يخرج أحدهم ليغني “الولد نام”، ويتحدثون عن تسعة أشهر من التحقيقات، وكأن اللجنة تشبه امرأة حامل يبحثون لها عن قابلة، لا هي ولدت ولا الجنين خرج من بطنها.

لجان بلا ولادات

اللجان في العراق تشبه موسمًا دائمًا من الانتظار. كل لجنة تُشكّل وكأنها مشروع وطني عظيم، ثم تختفي في زحمة التصريحات.

تمر الشهور، وتتغير الحكومات، وتبقى اللجان “تحقق” دون أن تلد تقريرًا واحدًا واضحًا.

حتى صار المواطن العراقي يسمع كلمة “لجنة تحقيق” فيبتسم بمرارة، لأنه يعرف أن نتيجتها محفوظة سلفًا: “جارٍ التحقيق… وسيتم الإعلان لاحقًا.”

ولعل لجنة البصرة ليست استثناءً، فهي تسعة أشهر من الانتظار، والتبريرات، والتصريحات النائمة، كأنها فعلاً حملٌ إداريّ لا يريد أن يلد.

التركيز على البصرة… لماذا؟

ثم يظهر أحدهم على شاشات التلفزة وهو عاجز عن ملاحقة ملفات الفساد المنتشرة في عموم العراق، بينما يركز على البصرة فقط.

أقول له: يا أبو ترنتي، لو عندك شجاعة حقيقية، روح للأنبار أو الموصل أو غيرها من المحافظات، لكنك تعرف إنهم هناك ممكن “يبندونك بند”!

القصة معروفة، فتركيزكم على البصرة ليس سوى محاولة للتسقيط والتشويش على المهندس أسعد العيداني، محافظ البصرة، وخصوصًا مع اقتراب موسم الانتخابات.

لقد بات أمر البعض واضحًا بتلك الأساليب الملتوية والمشبوهة، التي تحاول خلط الأوراق وتشويه سمعة الرجل الذي ما زال يقدم الكثير لمحافظته رغم كل العقبات.

البصرة… المدينة التي لا تُغنى إلا عند الحاجة

البصرة مدينة الخير والنفط والموانئ والعلماء، لكنها للأسف لا تُتذكر إلا عند الحاجة السياسية أو عند موسم التسقيط الانتخابي.

هي دائمًا في واجهة الاتهامات حين يريد البعض أن يُظهر نفسه شجاعًا أمام الإعلام.

لكن عندما يتعلق الأمر بمحاسبة الفاسدين في مناطق أخرى، تصمت الأصوات، وتغيب العدالة، وتُقلب الصفحة سريعًا.

وهكذا تتحول اللجان إلى أدوات إعلامية تُستخدم لضرب الخصوم، لا لكشف الحقائق.

ثقافة اللجان… كأننا نعيش في مسلسل ممل

الشارع العراقي سئم من هذا النمط.

في كل مرة تُعلن الحكومة عن “لجنة عليا”، نعرف مسبقًا النهاية: تقارير تُكتب بلغة ضبابية، ونتائج تُدفن في الأدراج، وتوصيات لا يقرأها أحد.

أصبحت اللجان أشبه بمسلسلات تركية طويلة، كل حلقة تنتهي بسؤالٍ معلّق، والجمهور ينتظر النهاية التي لا تأتي.

وحتى في حالة لجنة البصرة، لم يسمع الناس شيئًا عن نتائج التحقيق، ولا من هو المتورط ولا من هو البريء.

كل ما يصل إلى الناس هو ضجيج إعلامي لا أكثر، وكأن الهدف هو الحديث عن التحقيق لا إنجازه.

الانتخابات… والمسرح القديم نفسه

التحقيقات التي تبدأ قبل الانتخابات وتنتهي بعدها ليست سوى جزء من اللعبة السياسية القديمة.

كلما اقتربت المنافسة، ظهرت ملفات، وخرجت لجان، واشتعلت الفضائيات بالاتهامات.

وبعد الانتخابات، يختفي الجميع، وكأن شيئًا لم يكن.

البصرة، كما في كل مرة، تتحول إلى ساحة للصراع، لأنها ورقة انتخابية رابحة، وصوتها مؤثر في النتائج.

ولهذا تُستهدف، ولهذا تُخترع لها لجان في كل موسم سياسي جديد.

المواطن… من يسمع صوته؟

بين حديث السياسيين وأغاني اللجان، يقف المواطن البصري حائرًا.

يريد أن يفهم الحقيقة، لكنه لا يسمع إلا الوعود.

يرى الفساد، لكن لا يرى من يحاسب الفاسدين.

لقد أصبحت كلمة “تحقيق” مرادفة لكلمة “تسويف”، وأصبحت الثقة مفقودة بكل خطوة تتخذها السلطة حين يكون وراءها غرض انتخابي أو تصفية حساب.

الناس تسأل ببساطة: هل اللجنة أنجزت مهمتها؟ أم ما زالت نائمة على إيقاع “الولد نام”؟

وأكرر السؤال عليكم:

بعد النني بل ننوس لجنة التحقيق جابت لو بعدهى …..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *