قدم الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي محاضرته (الروح المحلية في الرسم التشكيلي العراقي.. الرسام العراقي فيصل لعيبي نموذجا)، في ملتقــى جيكــور في البصرة.. وقدمه الدكتور يسر حمود اليسر، الذي استهل الجلسة بملاحظات مهمة حول النقد التشكيلي وقلة اهتمام الجهات الثقافية به راجيا ان تتضمن المحاضرة إجابات عن بعض التساؤلات التي يتمنى الإجابة عليها، معرفا بالناقد التشكيلي والفنان خالد خضير الصالحي: بكلوريوس فنون جميلة (رسم) كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة، وعضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وجمعية الفنانين التشكيلين العراقيين، ونقابة الفنانين سابقا، ولاعب شطرنج دولي، وحكم دولي (Fida Arbiter)، ومدرب دولي بالشطرنج (Fide Trainer)، ورئيس تحرير مجلة الشطرنج العراقية التي صدرت منها تسعة اعداد وتوقفت.
الّفَ خالد خضير وترجم: في نقد الشعر العراقي كتابا واحدا، وفي نقد الفن التشكيلي ثمانية كتب، وفي الشطرنج كتابين، وكتبَ وترجم عشرات المقالات في الثقافة، والشطرنج ونشرها في الصحف والمجلات العربية والمواقع الالكترونية.
التحريف والوضع الأمثل والمنظور
عرف مفهوم (التحريف) و(التغيير) و(الانزياح الشكلي)، بانه الانحراف بدرجة محسوسة في قوانين التشريح (Anatomy) التي صيغت في عصر النهضة، مؤكدا ان أقدم اشكال التحويرات حصلت في خط الانف المستقيم، واستدارة النهد في النحت البارز او الخزف الروماني، وفي القدم الزائدة في الثور المجنح الاشوري، وقد يدخل ضمن التحريف ترتيش الفوتوغراف اليدوي السابق او الالكتروني الفوتوشوبي ومثيلاته.. واعتبر (الوضع الأمثل) اهم مفاهيم المحاضرة وقمة التحوير في الجسد البشري الواقعي في اهم حضارتين هما: الرافدينية والفرعونية.
وان المنظور الذي استقرت في عصر النهضة هو تحول الرسوم المسطحة ببعدين كالفن الرافديني والفرعوني وغيرها الى نظام ثلاثي الابعاد.
الستينيون العراقيون ومجايلوهم
بعد وفاة جواد سليم، بدأت تخفت قضية (التعبير عن الروح المحلية) وتخلي الستينيون عنها تباعا باعتبارها شرطا قبليا لتحقق صفة الرسم، وبقيت محاولات منفردة منهم شكلت مقترحات (حداثية) لموضوعة “التعبير عن الطابع المحلي”، مقارنة بتجربة جواد سليم، وكانت خارج هيمنة جواد سليم بشكل كبير، واهمها تجربة كاظم حيدر الذي بدأ اهم الخطوات في معرض الشهيد (1965)، الذي شكل مقترحا (حداثيا)، وقتها، لموضوعة (التعبير عن الروح المحلية).
ظهرت مقترحات اخرى كانت توظف الاسلوب المدرسي الأكاديمي باعتباره حاضنة ممكنة لهذه الموضوعة.. اتبعها فنانون درسوا، او تأثروا بالفن السوفياتي والفن المكسيكي ومنهم: محمد عارف وماهود احمد وعفيفة لعيبي وفيصل لعيبي وأخيرا وسماء الاغا.
فيصل لعيبي والروح المحلية
لقد شكلت قضيةُ التعبير عن الروح المحلية؛ الاستراتيجيةَ الموضوعاتية والشكلية لمنجز فيصل لعيبي الذي ترجم تلك الروح المحلية بنماذج من الفولكلور العراقي فشكلت الموضوعاتُ الفولكلورية موجها قرائياً للنقد اللاحق.. فأعاقَ النقادَ عن تقديم كشوفات في جوهر تجربة فيصل لعيبي مبتعدين عن القشرة الفولكلورية التي حصرتهم فيها موضوعات فيصل لعيبي فكانت موجها قرائيا لهم.
التواشج الصعب!
كانت تجربة فيصل لعيبي تواشجا بين قوانين الفن الاكاديمي ذي الابعاد الثلاثة بقوانين الرسم الاشوري والاسلامي ذي البعدين، من خلال اجراء تغييرات في قوانين التشريح لتلائم قوانين كلا الفنين.
(الوضع الأمثل) وتحريفات اشكال المشخصات
لقد استعار فيصل لعيبي، من الفنون القديمة للعراقيين القدامى والفراعنة والمسلمين، ما يعرف “بالوضع الامثل” وهو وضع تتخذ فيه الموجودات الاوضاع التي تظهر اهم خصائصها الشكلية ويستوجب ذلك درجة من (التحريف) في قوانين التشريح بالنسبة لجسد الانسان، ودرجة من التحريف المنظوري بالنسبة للأشكال الجامدة الاخرى، فاتخذت الاقدام واباريق الشاي وضعا جانبيا، بينما اتخذت الصحون وضع “عين الطائر”، واتخذت الاكتاف وضعا مبتكراً جديداً فيرسم فيصل لعيبي الكتف القريبة من المشاهد بوضع جانبي، ويرسم الكتف الابعد بوضع امامي، واتخذ كل جزء من الصورة، ومن الجسم الإنساني وضعه الأكثر نموذجية والأكثر مثالية للنظر، فتتخذ القدم الوضع الجانبي، كما كان يصورها العراقيون القدامى والفراعنة، وأباريق الشاي الوضع الجانبي، بينما تتخذ (صينية) وصحن الشاي وضع عين الطائر على عكس (الاستكانة) أي قدح الشاي الذي يتخذ الوضع الجانبي، والأكتاف الوضع شبه الأمامي، بينما تنفرد (علبة الثقاب) بمنظور ثلاثي الأبعاد لان لا وضع امثل لها يتيح رؤيتها بشكل مسطح !. خلص المحاضر الى ان الازاحة الاهم التي انتجها فيصل لعيبي كان التصوير (بعين الطفل)، حيث كان يصور ما يشعر به او ما يريد ان يراه، وليس ما يراه فعلا، وكان يحرك زاوية النظر عدة مرات داخل اللوحة، وأجرى تحويرات مهمة ومبتكرة تتطابق مع الوضع الأمثل الاشوري، فكان امتزاجا للأسلوب الأكاديمي مع اشكال الرسم الاسلامي والرافديني القديم..