Search
Close this search box.

غاندي والصدر: المقاطعة الإيجابية كسلاح أخلاقي للتغيير

غاندي والصدر: المقاطعة الإيجابية كسلاح أخلاقي للتغيير
في العراق، فقد شهدت الساحة شخصية روحية وشعبية ذات أثر عميق: السيد مقتدى الصدر. في لحظات مفصلية من تاريخ البلاد، اختار الصدر أن يقاطع العملية السياسية...

في عالمٍ تتداخل فيه السياسة مع المصالح، وتختلط فيه الشعارات بالممارسات، تبرز شخصيات نادرة تختار أن تمارس “الانسحاب” لا كضعف، بل كقوة أخلاقية، و”المقاطعة” لا كعزلة، بل كإضاءة على طريق التغيير. ومن بين هذه الشخصيات، يتقاطع اسم المهاتما غاندي مع السيد مقتدى الصدر، في تجربةٍ فريدة للمقاطعة الإيجابية، التي تحوّلت من موقفٍ احتجاجي إلى نهجٍ تربوي وشعبي.

في مواجهة الاستعمار البريطاني، لم يلجأ غاندي إلى العنف أو الفوضى، بل استخدم “المقاطعة” كسلاحٍ حاد في جسد المحتل، ولكن دون أن يُراق فيه دم. دعا الهنود إلى مقاطعة البضائع البريطانية، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل طرح بديلاً عمليًا: أن يغزلوا ملابسهم بأنفسهم. وهكذا، تحوّلت المقاطعة إلى ثقافة إنتاج، لا مجرد رد فعل.

غاندي لم يكن يعلّم شعبه كيف يقول “لا” فقط، بل كيف يقولها وهو يبني، يصنع، ويستغني عن المحتل دون أن يشبهه.

أما في العراق، فقد شهدت الساحة شخصية روحية وشعبية ذات أثر عميق: السيد مقتدى الصدر. في لحظات مفصلية من تاريخ البلاد، اختار الصدر أن يقاطع العملية السياسية، أو يدعو إلى تجميد تياره، أو يسحب وزراءه ونوابه. لم تكن تلك المقاطعة انسحابًا من المسؤولية، بل كانت نداءً صارخًا: “لا أقبل أن أكون شاهد زور في مسرحية مشوهة.”

في كل مرة انسحب فيها الصدر، كان يترك فراغًا مدويًا، كأنما يفضح العبث القائم بصمته، أكثر مما يفضحه خصومه بخطبهم.

وما بين اللاعنف الغاندوي والممانعة الصدرية، ورغم اختلاف السياقات – بين الهند المستعمَرة والعراق المُخترق – فإن خيطًا ذهبيًا يربط بين الرجلين: الموقف الأخلاقي.

غاندي كان يعتبر أن النضال يجب أن يسمو فوق الكراهية، والصدر لا يزال يؤمن أن التغيير الحقيقي لا يأتي من الحقد بل من التزكية، لا من التكالب بل من التخلي الطوعي عن السلطة حين تفسد.

كلا الرجلين استخدم المقاطعة كدرسٍ تربوي لجمهوره:

غاندي أراد أن يعلّم الهنود الاعتماد على الذات واستعادة الكرامة.

الصدر أراد أن يربّي جمهورًا لا يخاف من الفراغ، بل يملؤه بالإصلاح والوعي والانتظار النشط.

رسالتي إلى جمهور التيار :

أنتم تيارٌ اختار أن يتحمّل مسؤولية التغيير، وأنتم ورثة مشروع قيمي، قبل أن يكون سياسيًا. وانتم أبناء ذلك الابيض قلبا وقالباً وكفنا ، فلا تستهينوا بلحظات “الانسحاب” أو “المقاطعة”، فهي قد تكون أعمق أثرًا من ألف مشاركة فيها مفسدة.

وختامًا اقول ما قال غاندي: “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم.”

وكرر صوت السيد مقتدى الذي قال مرات ومرات”لن أكون شاهدًا على الفساد، بل شهيدًا للحق إن لزم.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *