Search
Close this search box.

أحلام ترامب الاستعمارية؛ عندما يتحول الإمبريالية إلى وهم وخيال

أحلام ترامب الاستعمارية؛ عندما يتحول الإمبريالية إلى وهم وخيال
غزة هي آخر معقل وصخرة صمود للشعب الفلسطيني. ومخطط ترامب لا يعبر فقط عن وحشية وانعدام أي حس إنساني.....

المقدمة

إذا بحثنا اليوم عن اسم غزة في وسائل الإعلام، سنجد في الغالب صورًا مروعة لأنقاض تبدو وكأنها لن تخرج أبدًا من تحت ركام القصف والحصار. لكن ما لا يظهر كثيرًا في هذه الصور هو روح المقاومة والصمود لدى الشعب الذي لم يغادر غزة. هذه الحقيقة باتت شوكة في أعين القوى الاستكبارية وبعض الدول الإقليمية التي لا ترغب في تقديم أي دعم لغزة ولا تريد في الوقت نفسه رؤية أهلها كحصن أخير للمقاومة. في هذا السياق، جاء المقترح الذي قدمه ترامب بشأن “التهجير القسري” لسكان غزة ليكشف أكثر من أي وقت مضى عن الجوهر الاستعماري واللاإنساني للأفكار الإمبريالية.

1.وهم الملكية

يدّعي ترامب، بكل وقاحة، أن أمريكا يمكنها أن تكون “مالكة” لغزة، لكن دون أن تدفع أي تكاليف لإعادة إعمارها! هذا التناقض بحد ذاته يكشف عن محاولته لإرساء استعمار جديد، حيث تلعب الولايات المتحدة دور الوصي على شعب منكوب دون أي تحمل للمسؤولية أو التزام بالمحاسبة. يتحدث عن “ريفييرا غزة” وتحويلها إلى وجهة سياحية للأثرياء، وكأنها منطقة خالية من السكان، وأن وجود الفلسطينيين مجرد عائق أمام تحقيق أحلامه الاستكبارية. وبالطريقة ذاتها التي وعد بها ببناء جدار حدودي وجعل المكسيك تتحمل تكلفته، يريد ترامب الآن أن يتحمل الآخرون تكاليف الدمار الذي لحق بغزة، دون أن يوجه أي إدانة لجرائم الاحتلال الصهيوني الوحشية أو حتى أن يعترف بالمعاناة التي لحقت بالشعب الفلسطيني.

  1. تهجير قسري لمليوني إنسان

اقتراح ترامب بترحيل مليوني فلسطيني من قطاع غزة يكشف بوضوح عن اعترافه الضمني بارتكاب تطهير عرقي. ولكن أي جيش يمكن أن ينفذ هذا المخطط؟ هل تنوي الولايات المتحدة إرسال قواتها إلى الشرق الأوسط لطرد الناس من منازلهم؟ هل يتخيل ترامب أن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ستستسلم بسهولة وتقبل بالاحتلال دون مقاومة؟ علاوة على ذلك، لا توجد أي دولة مستعدة لاستقبال هذا العدد الهائل من اللاجئين، مما سيؤدي إلى كارثة إنسانية بأوسع نطاقًا.
لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية، حتى وسط دمار غزة، أنها ثابتة على موقفها في الدفاع عن قضيتها، وترى أن أي تهجير قسري يمثل وصمة عار تاريخية. وهذه الإرادة الصلبة هي ما لا يدركه الساسة المستكبرون، الذين لا يتوقفون عن حياكة المؤامرات التي لا تجلب سوى مزيد من إشعال الحروب وارتكاب الجرائم الجديدة لتغطية الجرائم السابقة.

تنفيذ هذه الفكرة الطائشة والساذجة يتناقض تمامًا مع ما يدّعيه ترامب من سعيه لتحقيق “السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”. “اتفاقيات أبراهام”، التي كانت تعتبر إنجازًا دعائيًا لترامب، ستنهار بالكامل إذا تم المضي قدمًا في هذا المخطط القاسي. فالسعودية ومصر والأردن، باعتبارها الركائز الأساسية للاستقرار الإقليمي، تعارض بشدة الترحيل القسري للفلسطينيين. وفي ظل هذا الواقع، لن تجد إسرائيل نفسها فقط في قلب توتر جديد غير قابل للسيطرة، بل ستحصل إيران—التي سعى ترامب دومًا لإضعافها—على فرصة جديدة لإعادة تشكيل محور المقاومة وحشد الرأي العام الإسلامي ضد السياسات الأمريكية. هذا المخطط قد يكون الشرارة التي تؤدي إلى تصاعد موجة جديدة من المعارضة للتدخلات الأمريكية في المنطقة، مما سيجعل انتقادات ترامب السابقة للسياسات العسكرية لواشنطن مجرد تناقض سافر وسخيف.

الخاتمة

غزة هي آخر معقل وصخرة صمود للشعب الفلسطيني. ومخطط ترامب لا يعبر فقط عن وحشية وانعدام أي حس إنساني، بل سيؤدي حتمًا إلى تعميق الأزمة في الشرق الأوسط. لقد أثبت التاريخ مرارًا أن المخططات الاستعمارية والمؤامرات ضد الشعوب لا تؤول إلا إلى الفشل، لأن قوة شعب يقاتل من أجل حقوقه وحريته تتفوق دائمًا على الخطابات الجوفاء والأوهام الاستعمارية. وعلى عكس ما يتصوره ترامب وأمثاله، فإن طرد الفلسطينيين من أرضهم لن يمحو قضية القدس، بل سيشعل جذوة المقاومة من جديد، وهي جذوة لن يتمكن أي سلاح أو قوة من إخمادها إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *