Search
Close this search box.

خطاب صنع‌العدو: تقرير عن دور وسائل الإعلام الغربية في بناء صورة نمطية عن الشرق‌الأوسط والإسلام

خطاب صنع‌العدو: تقرير عن دور وسائل الإعلام الغربية في بناء صورة نمطية عن الشرق‌الأوسط والإسلام
وخاصةً في الولايات المتحدة، الصور النمطية غير العادلة من المسلمين والعرب وشعوب الشرق الأوسط كالعوامل الرئيسية للعنف و الإرهاب...

المقدمة

في عالم اليوم، تلعب الخطابات الإعلامية والاجتماعية دورًا كبيرًا في تشكيل الهويات الجماعية. ومن الاستراتيجيات الأساسية في هذه العملية، تعريف “الآخر” أو “الغير” كعدو خارجي، مما يعزز من الوحدة والتماسك الداخلي. فمن بعد أحداث مثل التفجيرات والهجمات الإرهابية، قد صنعت و صوّرت وسائل الإعلام الغربية، وخاصةً في الولايات المتحدة، الصور النمطية غير العادلة من المسلمين والعرب وشعوب الشرق الأوسط كالعوامل الرئيسية للعنف و الإرهاب. هذه الخطابات لم تؤثر فقط على العلاقات بين الغرب والشرق الأوسط، بل قدّمت صورة مشوّهة وغير عادلة عن الإسلام والمسلمين في العالم.

دور الإعلام في تشکيل الهوية و استنساخ الصور النمطية الثقافية

في يونيو 1996، وبعد بضع دقائق فقط من إقلاع رحلة TW800 من مطار جون كينيدي، انفجرت الطائرة فجأة. في تلك الساعات الأولى، بينما لم يبدو السبب وراء هذا الانفجار بعد، وقف رجل ذو عينيين مملوءتين بالدموع وصوت مرتعش خلف الميكروفون وقال: “أسأل الله أن يكون هذا عملًا من شرق أوسطيين!” هذه العبارة، التي كانت نوعًا من الاستغاثة بالله للتعرف على العدو، توّضح مدى أهمية وجود “العدو” لكثير من الأفراد أو المجموعات، إلى حد أن عدم وجوده يمكن أن يهدد هويتهم و شعورهم بالأمان. بعض النظريات تعتقد أن الهوية الجماعية تحتاج و تتطلب وجود “عدو واضح وقابل للتحديد و الدرک التصديقي”، من أجل التشكيل والثبات. في هذه الحالة، تتحول “الأمة” إلى مجموعة من الأفراد الذين يتحدون للوقوف ضد الأفعال العنيفة للعدو  و “العدو” يوحّدهم.  لكن من وجهة نظر نفسية، غالبًا ما يتواجد شيء خارجي في مركز هوية “نحن”، مما قد يجعل “الآخر” أكثر احتمالًا أو حتى ضروريًا بالنسبة للأفراد. أحد أمثلة هذا النوع من التفكير هو تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك. في تلك الحادثة، تم تعريف العدو بسرعة على أنه “إرهاب خارجي”. كان لتعريف الشرق الأوسط كعامل لهذه العنف عواقب واضحة: من جهة، تشكلت الحدود الواضحة بين “نحن” (شعب أمريكا) و”هم” (مسلمو الشرق الأوسط)، ومن جهة أخرى، منح وجود السيارة المفخخة (التي عُرفت بأنها ابتكار شرق أوسطي) الأمريكيين القدرة على تعريف العدو بتفاصيل تصديقية ووُجهوا غضبهم نحو شيء خارجي.

العنصر الأساسي في الثقافة الغربية الذي جعلها “هيمنية” على مستوى العالم هو صورة الهوية الثقافية الغربية كهوية متفوّقة مقارنة بجميع الثقافات الأخرى. يُعتبر “الاستشراق” أداة للسيطرة لبناء تصورات حول الشرق. وهذا يعني أن العلاقة بين الثقافة الغربية والثقافة الشرقية قد تشكلت بناءً على العلاقة الخطابية للسلطة والسيطرة، وخلف هذه التصنيفات تكمن الثنائية الأساسية بين “نحن” (الغرب) و”هم” (الشرق). لقد أنشأت الأنثروبولوجيا(علم الإنسان) واللسانيات وكتابة التاريخ الغربية وحافظت على هذه الثنائية، بحيث قام الغرب بإنتاج مجموعة معقدة من التصورات عن الشرق، ومن خلال ذلك حدّد أيضاً فهم الشرق لنفسه. في منظوره: الشرق كأقوام وشعوب أدنى يجب الحكم عليها. كما أن “جاك لكان”، المفكر الفرنسي، يرى أن اكتشاف “الآخر” ها هو شرط لتكوين وهوية الذات والوعي الذاتي. في الحداثة الغربية، تُعرَّف هوية الإنسان من خلال وجود “الآخر” أو “الغير”. عندما يصبح غير والآخر هويتين، يمنحان هوية لنا.

تساهمت وسائل الإعلام والسينما الأمريكية في إعادة إنتاج الصور النمطية عن شعوب الشرق الأوسط، مما يعرف شعوبهم (الأمريكيين) أمام الآخر. يُعتبر الشرق الأوسط منطقة غنية بالنفط، ولكن شعوبها لا تماثل “نحن” فحسب بل تُعد خطرًا على وجود وأمن وحضارة “نحن” في نهاية المطاف.

التغريب الإعلامي: دور الإسلام في تشکيل الهوية الجماعية الغربية

إحدى الدروس الأساسية في النظرية الاجتماعية في تعريف الهوية الجماعية هي أن الهوية الجماعية تنبع أساسًا من وجود “الآخر”. وبالتالي، لا يمكن للهوية أن تتشكل لأي أمة فقط ضمن إطار نظام مغلق من الفروقات داخل المجتمع، بل يجب دائمًا أن يكون هناك “آخر” لكي تلغي الفروقات الداخلية في المجتمع. يُعتبر تهديد الجار للسلام في البيت أمرًا ضروريًا للغاية، وإذا لم يكن هذا التهديد موجودًا بالفعل، فيجب خلقه بطريقٍ ما، وهذا هو بالضبط ما تقدمه وسائل الإعلام الأمريكية من خلال تقديم تهديد خارجي، وهو الإسلام، للمجتمع الأمريكي، مما يؤدي إلى إلغاء الفروقات الداخلية وتشكيل الوحدة فيه. إن تغطية وسائل الإعلام للأحداث العنيفة في الولايات المتحدة تكشف في الواقع عن أن تقديم الأشخاص المشتبه بهم كأصحاب نوايا إسلامية وشرق أوسطية يعزز من الوحدة للهوية الأمريكية.

التقارير المُبالغ فيها التي تُنشر في وسائل الإعلام والتي تربط الإسلام بحوادث العنف الإرهابية تُعَرف الإسلام كوجه بارز وما يُعرف بنموذج “الآخر”. إن صورة المسلم، بصرف النظر عن تأكيد مسؤوليته في الحوادث العنيفة، هي علامة تظهر نقصًا في طبيعة النظام الرمزي الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريکية. إن تقارير وسائل الإعلام حول المسلمين مليئة بالآراء المُعزولة و النمطية، والإشارات المشوشة والخاطئة، والمصادر غير الموثوقة. تصور التلفزيون الأمريكي العرب كأشخاص يمتلكون “جنون الجنس” وهم “إرهابيون”. ومن ثم، تعتبر وسائل الإعلام الغربية تاريخيًا الإسلام تهديدًا للغرب المسيحي.

إن مجموعة من الاتهامات القائمة على الكليشيه وغير المبررة التي تم تجميعها في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الأمريكية بعد تفجير مدينة أوكلاهوما تُعتبر مثالًا صارخًا على هذا السلوك غير العادل وغير المنصف ضد المسلمين في الشرق الأوسط والعرب. لم يكن “يو إس إيه توداي” هو الصحيفة الوحيدة التي اعتبرت الشرق الأوسط أنه المتّهم الرئيسي. فقد كانت “سي بي إس نيوز”[1]، “شيكاغو تريبيون”[2]، “نيويورك تايمز”[3]، “نيويورك بوست”[4]، “نيويورك نيوزدي”[5]، و”واشنطن بوست” من بين المؤسسات الإعلامية التي وجهت أصابع الاتهام نحو الشرق الأوسط والمسلمين. حيث أنه في حين لم يكن هناك أي دليل بعد، كانوا في تقاريرهم يصفون المتهمين بأنهم ذوو شعر أسود ولحى طويلة، فحصيل الإحتمال أنهم من الشرق الأوسط.

وفي أحد تقارير “نيويورك تايمز” كُتب: “تشير التقارير الأولية إلى أن المحققين في حادثة تفجير أوكلاهوما يبحثون عن مشتبه به عربي”. يمكن القول إن المسؤولين بدأوا فعلاً بالبحث عن المشتبه بهم العرب، وتبع ذلك نشر عدد كبير من المقالات حول خطر الإسلام، والتطرف، والمسلمين والعرب، مما أدى إلى ممارسة عنف ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة.

إن سلوك وسائل الإعلام يؤكد أن المجتمع الأمريكي، من خلال تعريف الإسلام والعرب والشرق الأوسط كأعداء خارجيين، يقيم علاقة معينة مع نفسه، وهذا ليس سوى محاولة للتغطية على التناقض الجوهري في قلب المجتمع الأمريكي. حيث أنه بعد أن تبين أن الأمريكيين كانوا هم الفاعلين في تفجير أوكلاهوما، أصرت مجلة “نيو ريبابليك”[6] على تصفية الحساب مع الإسلام، واستنتجت أن “الإسلام يحمل في طياته فتنة وفوضى، والإرهاب هو مجرد انعكاس لذلك

خاتمة المطاف

إن حقيقة أن الجيش الجمهوري الإيرلندي هو أول من استخدم السيارات المفخخة تعني أنه على عكس ما يُدّعى، فإن هذه الاستراتيجية الإرهابية لم تكن ابتكارًا من الشرق الأوسط، بل كانت سياسة شعبوية تهدف إلى تقديم صورة عدوانية عن الإسلام في الغرب. في السابق، كان يُنظر إلى الشيوعية على أنها مصدر كل الشرور، وبالتالي كانت تؤكد على مكانة “الآخر” كعدو عالمي حقيقي. ومع انهيار الشيوعية، التي تم تقديمها كـ”قوة الشر”، فقد الغرب عدوه الذي كان له أبعاد أسطورية، وقد قامت هوليوود ووسائل الإعلام الأمريكية بنقل هذا الدور “للأشرار” إلى العرب والمسلمين وشعوب الشرق الأوسط، لتملأ الفراغ الناتج عن العدو الذي فقده الولايات المتحدة.

أخيرًا، يجب القول إن هناك خطابًا رسميًا حول الإرهاب في الغرب أنشأته الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وفقًا لهذا الخطاب، فإن الانطباع والتصور الوحيد الذي يحصل عليه الغربيون عن الإسلام والشرق الأوسط هو صورة المنطقة المليئة بالقتل وسفك الدماء. والأهم من ذلك، أن التفكير بالإسلام كدين توحيدي ووجود خطر على الغرب قد تحول تدريجيًا إلى أمر معتاد. وهذا بحد ذاته دليل على أن الوضع بالنسبة للمسلمين يتفاقم يومًا بعد يوم.

كلمة أخيرة، في الواقع، إن المسلم هو الذي يتم استهدافه دائمًا تحت ذريعة صورة مُختلقة من “الحرب على الإرهاب”.

 

[1] CBS News

[2] Chicago Tribune

[3] The New York Times

[4] New York Post

[5] Newsday

[6] The New Republic

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *