الصدمة الناعمة في قصائد الشاعر عارف الساعدي قصائد الحاسوب أنموذجًا

الصدمة الناعمة في قصائد الشاعر عارف الساعدي قصائد الحاسوب أنموذجًا
يمثل ديوان قصائد الحاسوب للشاعر عارف الساعدي منعطفًا مهمًا في منجزه الشعري، إذ يكاد يشكّل منطقة جديدة مغايرة لما قدّمه في دواوينه السابقة. فالشاعر، الذي عُرف بقدرته على المزج بين العذوبة والعمق، يتجه في هذه المجموعة إلى الاشتغال على موضوعات راهنة، وعلى لغة أكثر قربًا من الوجدان اليومي...

المقدمة

يمثل ديوان قصائد الحاسوب للشاعر عارف الساعدي منعطفًا مهمًا في منجزه الشعري، إذ يكاد يشكّل منطقة جديدة مغايرة لما قدّمه في دواوينه السابقة. فالشاعر، الذي عُرف بقدرته على المزج بين العذوبة والعمق، يتجه في هذه المجموعة إلى الاشتغال على موضوعات راهنة، وعلى لغة أكثر قربًا من الوجدان اليومي، لكنه يقدّمها بطريقة تحمل بعدًا فلسفيًا وجماليًا يختلف عن تجاربه السابقة.

تنبع أهمية هذا الديوان أيضًا من كونه السابع في مسيرة الشاعر، وصدر عن دار ومكتبة عدنان – بغداد، في وقت كان فيه الساعدي يشغل منصب المدير العام لدار الشؤون الثقافية. ومن اللافت أنه لم يطبع مجموعته في المؤسسة التي يديرها، بل ترك المجال للآخرين من الأدباء والكتّاب، وهو موقف يعبّر عن نزاهة واعتداد بالمشهد الثقافي العراقي.

من هنا، يسعى هذا البحث إلى مقاربة مفهوم “الصدمة الناعمة” في قصائد الساعدي، من خلال تحليل مستوياتها اللغوية، الصورية، العاطفية والفلسفية، بالاعتماد على نماذج مختارة من ديوان قصائد الحاسوب.

أولًا: مفهوم الصدمة الناعمة

يمكن النظر إلى “الصدمة الناعمة” بوصفها إحدى أبرز سمات التجربة الشعرية الحديثة، وهي التي لا تعتمد على المباشرة أو الفجاجة في إحداث الأثر، بل تتسلّل إلى وجدان القارئ عبر الإيحاء والهمس. هذا النمط من الصدمة يُحدث في المتلقي حالة من الدهشة والارتباك الجمالي، من دون أن يلجأ إلى العنف اللغوي أو الصور المتكلّفة.

ثانيًا: المستوى اللغوي

تُشكّل اللغة عند الساعدي الفضاء الأول لبناء النص. فهي لغة:

مألوفة، قريبة من التداول اليومي.

تنزاح أحيانًا بانحرافات دلالية غير متوقعة، لتُحدث مفارقة تجعل الكلمة مألوفة وغريبة في آن واحد.

من خلال هذه اللغة، يتحوّل النص إلى مساحة تفاعلية بين البساطة والعمق، حيث تنبثق الدهشة من المفردة العادية التي يُعاد تشكيلها شعريًا.

ثالثًا: المستوى الصوري

الصور الشعرية في قصائد الحاسوب تتسم بالشفافية والوضوح، لكنها تحمل في عمقها تناقضًا أو مفارقة تُثير الدهشة.

فالبيت الأسري، مثلًا، يتبدل بعد دخول الهاتف المحمول.

والعائلة لا تجتمع إلا عبر الماسنجر والواتساب، لا حول مائدة أو في بيت واحد.

هذه الصور، ببساطتها وواقعيتها، تُنتج صدمة ناعمة لأنها تعكس تحوّلات حياتية عميقة من خلال تفاصيل يومية مألوفة.

رابعًا: المستوى العاطفي

يمثل المستوى العاطفي روح النص الشعري، حيث يعتمد الساعدي على استدعاء الحنين والفقد والوجع الإنساني.

لكنه لا يصرخ بالألم، بل يبثّه همسًا، ليترك أثرًا عميقًا في وجدان القارئ.

الصدمة هنا تأتي من هدوء موجع، يشبه جرحًا صغيرًا يظل مفتوحًا، بدلًا من عاصفة جارفة تزول سريعًا.

خامسًا: المستوى الفلسفي

لا ينفصل شعر الساعدي عن الهمّ الفلسفي، إذ تطرح نصوصه أسئلة وجودية متجددة: عن العمر، الزمن، الحب، الموت، الطفولة والوطن.

الفلسفة هنا لا تأتي عبر تنظير مباشر، بل عبر صور إنسانية بسيطة تنفتح على أسئلة كبرى.

مثل: “من يرفع الطفل ليرى وجه المعلمة؟”، أو “ما معنى أن تجتمع العائلة على شاشة لا على أرض الواقع؟”.

هذا القلق الوجودي يُضاعف من قوة النصوص ويمنحها بعدًا تأمليًا عميقًا.

الخاتمة

تُظهر قراءة قصائد الحاسوب أن “الصدمة الناعمة” تمثل سمة جوهرية في تجربة عارف الساعدي. فهي صدمة لا تأتي من العنف أو الصخب، بل من العذوبة والهمس، ومن الجمع بين المألوف والمفاجئ، بين الدفء والقلق.

وبهذا، يؤكد الساعدي أن الشعر قادر على ملاحقة تفاصيل الحياة اليومية الحديثة وتحويلها إلى دهشة جمالية رفيعة. إن هذه المجموعة لا تُضاف فقط إلى رصيد الشاعر، بل تُعدّ محطة مميزة في مسار الشعر العراقي المعاصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *