تتواصل سياسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية بوتيرة متصاعدة، في إطار استراتيجية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تصعّب من أي تسوية مستقبلية قائمة على مبدأ “حل الدولتين” وتشمل هذه السياسات جملة من الإجراءات الممنهجة، أبرزها التوسع الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وبناء جدار الفصل العنصري، وتكريس المزيد من القيود المشددة على حركة المواطنين الفلسطينيين ومواصلة الاقتحامات المتكررة للمدن والقرى.
يعد الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، المخالف لكافة الاتفاقيات الدولية، الركيزة الأساسية لهذه الإجراءات، حيث يواصل الاحتلال بناء المستوطنات الجديدة أو توسيع القائم منها تحت مسمى النمو الطبيعي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، لا سيما اتفاقية “جنيف الرابعة” التي تحظر نقل السكان المدنيين من دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، ويرافق ذلك، إصدار أوامر عسكرية بمصادرة الأراضي الفلسطينية تحت ذرائع أمنية أو لأغراض “تطويرية”، وعلاوة على ذلك، تستخدم الحواجز العسكرية ونظام التصاريح كوسائل للتحكم في حياة الفلسطينيين اليوميّة، وتقييد حركتهم بين المدن، بل وحتى داخل المدينة الواحدة أحياناً، كما هو واقع الحال في طولكرم وفي مناطق شمال الضفة، كما يتم استهداف البنية التحتية الفلسطينية، سواء عبر هدم المنازل والمنشآت أو منع التوسع العمراني في المناطق المصنفة (ج)، والتي تشكل نحو 60% من الضفة الغربية.
وإنّ كل هذه الإجراءات تهدف إلى تكريس واقع استعماري الهدف المركزي له تحول الضفة الغربية إلى جيوب فلسطينية معزولة داخل محيط استيطاني متصل، بما يضعف من أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً وذات سيادة وطنية، كما تسعى حكومة الاحتلال إلى تطبيع هذا الواقع على المستوى الدولي، من خلال فرضه كأمر واقع يصعب تغييره، خاصة في ظل انشغال العالم بقضايا أخرى، وأخرها الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد إيران.
وسياسات الاحتلال في الضفة الغربية ليست مجرد تدابير أمنية، بل هي مشروع سياسي طويل الأمد يهدف إلى تقويض الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفرض واقع دائم من السيطرة الكولونيالية الاستعمارية والتمييز العنصري.
وأمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى ضرورة إعادة تفعيل وتطوير أشكال النضال الشعبي وأدوات المقاومة الشعبية والسياسية والقانونية لمواجهة هذه الانتهاكات، ونعتقد أن الصمود الشعبي هو أحد أبرز أشكال المواجهة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي نمر بها كفلسطينيين، حيث يواصل أبناء شعبنا دفاعهم عن أراضيهم المهددة بالمصادرة، من خلال الاعتصامات السلمية، وزراعة الأراضي، ومقاومة الجدار والاستيطان، كما تلعب المبادرات المحلية والشبابية دوراً مهماً في توثيق الانتهاكات ونقل الصورة الحقيقية إلى العالم.
وعلى الصعيد القانوني، يعد اللجوء إلى المؤسسات الدولية وسيلة مهمة لكشف جرائم الاحتلال، والمطالبة بمحاسبته على انتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي، وفي المقابل أيضاً، تبقى الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية ووحدة وصلابة الساحة الفلسطينية من أهم عوامل الصمود، إذ لا يمكن لأي مقاومة أن تكون فعالة دون وحدة الصف وتنسيق الجهود، ومن هنا فإنّ مواجهة إجراءات الاحتلال في الضفة الغربية تتطلب مزيجاً من الصمود الشعبي، والفعل السياسي الموحد، والدعم العربي والدولي، وهذا التكاتف قادر على كسر حلقات القمع والتضييق، وفتح أفق نحو الحرية والكرامة واستمرار المسيرة الوطنية نحو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.