يحتل السيد محمد محمد صادق الصدر (1943–1999) موقعًا فريدًا في الذاكرة السياسية والدينية للعراقيين، خصوصًا في سنوات احتضار نظام البعث. لم يكن مجرد مرجع ديني في ظرف استثنائي، بل كان قائدًا شعبيًا، أعاد للشيعة العراقيين شعورهم بالكرامة السياسية والانتماء الوطني، في زمن كان فيه القمع البعثي قد طمس كل أشكال التعبير الديني والسياسي. جمع بين الحضور في الحوزة والشارع، بين الخطاب الفقهي والثوري، فخلق تيارًا لا يزال أثره حاضرًا حتى اليوم.
اما في وجدان المعارضة للبعث والطغيان
فقد برز السيد الصدر في تسعينيات القرن الماضي كأحد أهم الأصوات المعارضة لهيمنة نظام صدام حسين، في وقت كانت فيه بقية المرجعيات تعيش العزلة أو تتجنب الصدام المباشر. اتخذ مواقف علنية من النظام، ودعا إلى صلاة الجمعة الموحدة، في خطوة ذات أبعاد سياسية ودينية، تهدف إلى تنظيم الشارع الشيعي وبعث الروح الجماهيرية المقاومة في وجه النظام. خطبه الأسبوعية كانت بمثابة منبر سياسي يعبر عن معاناة الفقراء والمهمشين، ما أكسبه تأييدًا واسعًا بين الطبقات الشعبية، وجعل منه رمزًا للمواجهة، حتى اغتياله الغادر عام 1999 مع اثنين من أبنائه، وهو ما اعتبره كثيرون “محاولة لإسكات العراق.”
اما عن أثره في تطور الجماعات الدينية في العراق
أعاد السيد الصدر تنظيم الحوزة العلمية في النجف على أسس جديدة تمزج بين التقليد والانخراط في الشأن العام. أخرج الدين من العزلة إلى الفعل المجتمعي، وشكّل ما يُعرف لاحقًا بـ”التيار الصدري”، الذي بات من أبرز الجماعات السياسية الدينية في العراق بعد عام 2003. نهجه الميداني والشعبي ألهم جيلًا جديدًا من رجال الدين والشباب الذين رأوا في الدين وسيلة للتمكين الاجتماعي والسياسي، لا مجرد طقوس وتعاليم.
اما عن حضوره في الوجدان الشيعي والعراقي
لا يُنظر إلى السيد الصدر على أنه مرجع شيعي فحسب، بل قائد وطني بامتياز. دخل وجدان العراقيين، خصوصًا في الجنوب والفرات الأوسط، بوصفه رجل دين من طبقتهم، يتحدث بلهجتهم، ويدافع عن قضاياهم، ويعيش معاناتهم. لذا، ارتبط اسمه بثقافة التحدي والكرامة، وتحوّلت صورته
إلى أيقونة في البيوت والأزقة، ترمز للحرية والتضحية.
اما عن اهم إيجابيات وسلبيات حركته الثورية
فمن أبرز إيجابيات حركة السيد الصدر:
1.إعادة الاعتبار للشارع الشيعي كمكوّن فاعل في المشهد السياسي
2. إحياء مفهوم المرجع القائد الذي يتواصل مباشرة مع الجمهور ويتحمل مسؤولية الموقف
3. تمكين الفئات المهمشة وربط الدين بالقضايا الاجتماعية
أما أبرز السلبيات أو الإشكالات في تجربته:
1.غياب البنية التنظيمية المتماسكة، ما أدى لاحقًا إلى تعدد الاجتهادات والانقسامات داخل التيار
2.تداخل الديني بالسياسي بشكل مباشر أفضى أحيانًا إلى تسييس المرجعية على حساب التخصص الفقهي
3.الخطاب العاطفي والشعبي، رغم فعاليته، لم يكن دائمًا مدعومًا برؤية إستراتيجية طويلة المد
آثار حركته على الواقع العراقي اليوم
ترك محمد محمد صادق الصدر إرثًا لا يزال حاضرًا في الحياة السياسية والدينية العراقية. التيار الصدري، الذي يقوده نجله مقتدى الصدر، يعد اليوم من القوى السياسية الأهم في العراق، مستفيدًا من القاعدة الشعبية والتنظيم الديني التي أسسها الأب. كما أن النموذج الذي طرحه حول المرجع القريب من الناس ما زال يناقش في أروقة الحوزات، ويؤثر في وعي أجيال من المقلدين والنشطاء.
باختصار، محمد محمد صادق الصدر لم يكن مجرد مرجع، بل ظاهرة جمعت بين الدين والسياسة، والناس والفكرة، ولا تزال هذه الظاهرة فاعلة ومؤثرة، سواء باتفاق الناس معها أو اختلافهم حولها.