تسعى الولايات المتحدة، كقوة عظمى، دوماً لتعزيز موقعها وضمان مصالحها على الصعيد الدولي، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد الطبيعية. ومع ذلك، يثير الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل تساؤلات حول مدى توافقه مع المصالح الحقيقية للولايات المتحدة، خصوصاً في العالم العربي. إن هذه السياسات، التي تدعم إسرائيل، تُكبِّد الولايات المتحدة علاقاتها مع شعوب وحكومات الدول العربية خسائر قد تُفَوِّت فرصاً اقتصادية وأمنية تتجاوز بأشواط عوائد العلاقة مع إسرائيل.
يشهد المتابعون للأحداث تناقضات مثيرة للقلق في مسارات صنع القرار. ومن أبرز هذه المظاهر الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، الذي يُنظر إليه أحياناً بشيء من السخرية على أنه “غباء استراتيجي”. ففي الوقت الذي تمتلك فيه منطقة الشرق الأوسط ثروات هائلة من النفط والموارد الاقتصادية، تجد الولايات المتحدة نفسها مرتبطة بعلاقة غير طبيعية مع الكيان الصهيوني، مما يطرح سؤالاً ملحاً: ما الذي يبرر هذا التضحية بمصالحها في العالم العربي من أجل تحقيق مصلحة إسرائيل التي ترتكب بحق الفلسطينيين ابشع جرائم الإبادة الجماعية وتنتهك حرمة مقدسات المسلمين، وفي ضوء الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان غزة، تُظهر الإحصائيات أن الولايات المتحدة تواصل تقديم مساعدات مالية وعسكرية ضخمة لإسرائيل سنوياً، رغم أن امريكا نفسها تواجه تحديات داخلية جسيمة في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. يعكس هذا التوجه تناقضاً عجيباً كيف يُعقل لدولة تُعاني من أزمات اقتصادية حادة أن تُسخر ميزانيات ضخمة لدعم الكيان الصهيوني دون تحقيق أي مكاسب اقتصادية، بينما يحتاج مواطنوها إلى تلك الموارد لتحسين ظروف حياتهم؟
يدرك قادة البيت الأبيض تماماً أن هذا الدعم يُسهم في تآكل سمعة الولايات المتحدة في العالم العربي والعالم المحب للسلام، إذ يعدّ أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الثقة بها. ورغم الفرص الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تُبنى من خلال علاقات مستقرة ومتوازنة مع دول المنطقة، تستمر الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، مما يعزز مشاعر الكراهية والعداء تجاهها في العالم العربي والإسلامي، هذا الدعم لا يُفقد الولايات المتحدة مكانتها كوسيط موثوق في النزاعات الإقليمية فحسب، بل يُعقِّد الأوضاع الأمنية ويزيد من تعقيدات موقفها. أن الدعم الأمريكي لإسرائيل بلا قيود، حيث استمرت الولايات المتحدة لعقود في دعمها بشكل مطلق سياسياً وعسكرياً ومالياً، مع تجاهل واضح لمصالحها الحقيقية في العالم العربي. تثير هذه العلاقة الوثيقة تساؤلات حول منطقية هذه السياسات وإصرارها على تجاهل الفرص الاستثمارية الهائلة التي توفرها الدول العربية، التي تتمتع بموارد طبيعية وأسواق واعدة. وفيما يستمر هذا المسار، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف يعادي تلك الأمم ويقوي تحالفها مع إسرائيل.
إن الأيام المقبلة تحمل في طياتها إمكانية حدوث تغييرات جذرية على الساحة الدولية، وربما يكون من الحكمة أن تعيد الولايات المتحدة تقييم استراتيجياتها، وأن تركز اهتماماتها على مصالحها الوطنية الحقيقية بدلاً من التضحية بها لمصلحة “حليف” قد لا يبادلها نفس القدر من الالتزام. نستنتج أن سلوك المتغطرسين يقودهم حتماً نحو الهزيمة، وهذه هي الحكمة الإلهية التي ينبغي أن تُذكّر بها الأمم.