الكتابة الإبداعية: هَمْ عَذِبْ ومُعَذِبْ

الكتابة الإبداعية: هَمْ عَذِبْ ومُعَذِبْ
الكتابة هم وجودي ومصيري بالنسبة للكاتب مهما كانت ظروف حياته، هذه الخلاصة التي سمعتها في حوارات المثقفين منذ نهاية الستينات في جلسات النقاش والندوات والشرب، والتي وجدتها في بواطن الكتب وأنا أبحث عن خلاصة ...

الكتابة هم وجودي ومصيري بالنسبة للكاتب مهما كانت ظروف حياته، هذه الخلاصة التي سمعتها في حوارات المثقفين منذ نهاية الستينات في جلسات النقاش والندوات والشرب، والتي وجدتها في بواطن الكتب وأنا أبحث عن خلاصة المعاني وروح الكاتب تلح في داخلي وتحثني على البحث والبحث والتأمل في معنى أن يكتب الإنسان. هذه الفكرة كانت غامضة في بداياتي، ليست غامضة فحسب، بل كانت الكتابة مشروع رغم أني كنت أظن أن به ترفاً بمعنى إذا أشيع عني كوني كاتباً سيكون لشخصي قيمة اجتماعية أثقل مما للشخص العادي وهذه الفكرة تولدت من خلال نظرة الناس لأصدقائي الشعراء الذين يكبرونني بأكثر من عشر سنوات، لكن مع احتدام التجربة العراقية على المستويين الشخصي والعام، ومع شدة الإحساس بأن الموت مصيرا هو الأقرب في عراق الدكتاتور والقمع والحرب حيث صرت نزيلاً متكرراً لأقبية مظلمة مرعبة يشعرك سجانك أنك مجرد حشرة يسحقك في اللحظة التي يشاء فيها سحقك.

ثم جندياً في جبهات الحرب العراقية الإيرانية مهددا بالموت في المعارك أو في الأقبية حالما يكتشف موقفك من الحرب والسلطة. في هذا الخضم كنتُ حائرا بروحي، بوجودي الفيزيقي كيف أحافظ عليه دون أن أخسر كرامتي التي هي إنسانيتي وعله وجودي. الكتابة صارت سرا دُفن في الروح التي حاولت البقاء. الروح بالمفهوم الحقيقي وليس الميتافيزيقي. الروح جسداً، متحققاً، حياً (جسد يحمل شكله ومحتواه سلام إبراهيم) عملت المستحيل من أجل هذا البقاء.

البدايات والكتابة كمصير

لم أكن جباناً البتة. كنت مغامراً ليس مغامرا فحسب بل مجنوناً كي أحفظ هذا الجسد وكرامته في ظروف سلطة دكتاتورية أشعلت حروب. وكنت أحلم بالكتابة التي لا محل لها أبدا في تلك الظروف حيث الجسد مهدد بالفناء في أي لحظة، هذا الإحساس الذي شعرت به وقت الحرب الإيرانية العراقية في جبهات الحرب والذي كان يشعر به الجندي العراقي في جبهات الحرب فقط عاد هذه الأيام وعقب الاحتلال الأمريكي 2003 ينتاب العراقي وهو يجلس في بيته أو مقهى أو وهو في طريقه إلى عمله أو وهو يتسوق.

أعود إلى جوهر الموضوع عن هم الكتابة والكاتب. لم أنس قضية الكتابة في أقسى الظروف، صار مضمراً وأنا جندي في جبهات الحرب الإيرانية والموت الذي أراه في خضم المعركة أو يأتيني من استخبارات الدكتاتور المتابعة لخطوي.

أو في ظروف القصف اليومي بين الثوار في الجبل إذ كان من الممكن في أية لحظة مغادرة فسحة الحياة إلى عدمها في صدفة قذيفة تسقط جوار مخبأي أو جلستي. وحدث ذلك فعلا حينما أصبت في قصفٍ كيماوي وكاد أن يقضي نحبي. لكنني نجوت لأروي ما مرّ وما حدث لي ولمن حولي في روايتي –الإرسي – و – في باطن الجحيم- .

في خضم التجربة وفوضوها كنت أتأمل فسحة من الهدوء كي أكتب ما رأيت وهذا ما وفرته لي الظروف رغم أني أعيل بجسدي المتعب وأكاد أموت في أية لحظة فلا أتوقف عن الشرب ولا عن عنيف المشاعر والصداقات وشدة المواقف التي تحرض علي الكل الاجتماعي المحكوم بالأعراف والمساطر التي ترعى الكذب والنفاق والدجل.

الآن وقبل أيام صدرت روايتي الخامسة – حياة ثقيلة – وهي كتابي السابع.

أعود إلى هم الكتابة وعلاقتها بالكاتب والحياة من جهة وبالكاتب والنصوص التي يحققها ككتب وكيان. أعود للهم، ولا يمكن أن نعود لهذا الهم دون الغوص في كيان الكاتب نفسه في خضم التجربة. وهنا بعد الخلاصة بعد خلاصة حياتي وليس رحمي الدامي المنشغل ولم يزل في الحروب التي تحولت إلى أحقاد يقتل فيها العراقي نفسه بحروب لا طائل منها أبدا.. حروب أججها محتل خبيث. أعود إلى هم الكتابة.

الكتابة بين الحرب والمخاطر اليومية

بالرغم من كل ما سردته وتجاهلي ومحاولتي للحفاظ على وجودي الفيزيقي لكنني كنت أحلم بالكتابة والكتابة.. عثرت قبل سنتين لدى صديقي الراحل على دفتر يوميات كتبته وأنا في جبهة الحرب العراقية الإيرانية 1983- 1985 وعثرت بين كدس أوراقي على دفتر يوميات كتبتها في مخيم لاجئين في إيران وهي الأهم: إذ كنت أسجل وأتوسل الإلهام كي أكتب، وهنا جذر مفهوم هَمْ الكتابة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *