التحوّل (الإدراك الحسي التحولي)، بديلا عن المحاكاة، باعتبار جوهر الفن عملية استعارة بمثابة تحوّل transformation (هاشم حنون …تحولات الواقعة الشيئية) نموذجا
* “الديك بوق الصباح” وليم شكسبير
* “أحيانا يكون صف من أشجار الصفصاف المقطعة موكبا من رجال دار العجزة… ويبدو العشب المداس بالأقدام على جانب الطريق متعبا ومتربا مثل الناس التي تعيش في أحياء فقيرة… رأيت مجموعة من نبات الكرنب الأبيض تقف متجمدة ومشلولة، وقد ذكرني ذلك بمجموعة من نساء بتنوراتهن الرقيقة وشالاتهن القديمة” فان كوخ
* “في بعض الصور الفوتوغرافية، تستحضر القشعريرة الظاهرة على الجسد، قشر البرتقالة، او تحبيبات الحجر” بابلو بيكاسو
حينما استضافني اتحاد أدباء البصرة في امسية بنادي الشعر كان ما مخطط له ان يصب موضوع الامسية في بحث تخوم العلاقة بين الادب والفن؛ فكان العنوان الذي اقترحته: (الصورة في الشعر والرسم.. تشاكل صوري استعاري.. هاشم حنون … تحولات الواقعة الشيئية نموذجا)، وذلك لمناسبة صدور كتابي (هاشم حنون … تحولات الواقعة الشيئية) الذي اعتبرته تطبيقا للثيمة التي اشتغلت عليها سنوات، وقدمت فيها عشرات الموضوعات التي نشرتها في الصحف والمجلات ومواقع الانترنت، وقد اخترت صديقي الكاتب هاشم تايه ليقدمني، فاجاد في ادارة الجلسة وبتقديمي بكلمات مؤثرة ستبقى عالقة في ذاكرتي طويلا، حينما قال “بانغماره كليّاً في النقد التشكيليّ… (يكون خالد خضير) قد أنجز شيئاً ليس بالقليل من وعده لنفسه بأن يكون ناقداً تشكيلياً متخصصاً، وليس مجرّد عابر سبيل… لما امتلكه من مهارات في هذا الباب… ووعيه بطبيعة عمله كقارئ خطابات تشكيليّة، لا أدبيّة، وإصراره على النظر من منظور نقدي تشكيليّ إلى السطوح التصويريّة، والتغلغل في طبقاتها وقراءتها بالاحتكام إلى معايير تشكيليّة جمالية تكاد تكون صرْفا… وقد أعانه على إرساء تعريفه كناقد انتماؤه إلى حقل التشكيل باعتباره فناناً تشكيلياً، وطول تحديقه في اللّوح الذي حفظ تجارب تشكيليينا”.
اؤكد، منذ البداية، بأن النصين: اللغوي والبصري هما حقلان مختلفان في وسائل التعبير وفي المقاربات النقدية، إلا ان لهما مشتركا عاما هو ثنائية الصورة بنمطيها: الصورة الشعرية بصفتها استعارة بصرية والصورة البصرية باعتبارها واقعة مجاز واستعارة بلاغية، وهي علاقة تتمحور بين طرفين هما: الصورة البصرية طرفا، والمجاز الشعري طرفا آخر باعتبارهما طرفي القضية، أو شكلي تمظهرهما، بين الصورة (بمعنى العلامة البصرية) وبين الصورة في اللغة المنطوقة، من خلال تعاكس مرآوي بين طرفي هذه الثنائية، وهذه الآلية كرس لها فرانكلين ر. روجرز كتابه (الشعر والرسم، بغداد، ط1، 1990) وكرس لها الكاتب العراقي شاكر لعيبي كتابه (بلاغة اللغة الايقونية…الصورة بوصفها بلاغة،بغداد، سلسلة جريدة الصباح 8، غير مؤرخ، ولكنه وزع اوائل 2008).
لقد أكد فرانكلين ر. روجرز ما قاله لسنغ، بان الفن انطباعات بصرية، بينما ينطوي الأدب على تتابعات حكائية وان الاستعارة ظاهرة بصرية مكانية، وان منطقة التخوم بين فني الشعر والرسم هي الصورة بنمطيها: الصورة الشعرية (في الأدب) والصورة البصرية (في الرسم) فقد خلّف لنا العديد من مبدعي الفنين تصريحات تؤكد الصلة بين الرسم والشعر كقول بيكاسو “الرسم هو الشعر، وهو دائما يكتب على شكل قصيدة ذات قافية تشكيلية، وهو لا يكتب بالنثر أبدا” وقول (ليوناردو دافنشي) “الرسم شعر يرى ولا يسمع، والشعر رسم يسمع ولا يرى، و(روبرت غريفز) “ان الحدة البصرية هي جوهر الشعر”. ، وقد لاحظ ر. روجرز في كتابه “ان تكوين الصورة الفنية (الشعرية) هو اندماج صورتين لتكوين تركيبة” وهو ما يسمى بـ(الإدراك الحسي التحولي) و(الاندماج الصوري) و(التشاكل الاستعاري) ، كما لاحظ ان رسوم الكهوف هي مزاوجة (تشاكل صوري) بين نتوءات الكهف (حقل المتعرجات) وصورة حيوان البيزون الكامنة في ذهن الرسام (=صورة الذهن)، وهو ما يعرف بتقنية المتعرجات menders وتقنية الإشارات العشوائية التي كان يطبقها الرسام ماكس ارنست في تقنية المفروكات frottage ، والطبيب الألماني روشاخ في بقعته الشهيرة، وسلفادور دالي وحتى دافنشي الذي نصح بها في كتاباته كعلاج لجفاف المخيلة، وقد رفعت حركة الرسم الحدثي tachisme او action painting هذه التقنية إلى مستوى المبدأ، و”ان (حقل المتعرجات) يؤسس الشروط اللازمة من اجل إيجاد الأشكال ثم تطويرها بضربات إضافية يسيطر عليها بصورة أكثر تعمدا”.
لقد افترضت بداية انه ليس شرطا ان تتطابق علامات الذهن مع علامات الواقع؛ فقد تتطابق علامات المتعرجات(آثار الجدران او آثار الواقع) مع علامات الفن التي يمتلك الفنان داخل نفسه إيضاحا عميقا لها، وهو ما يسميه بيكاسو “فكرة الشيء التي تركت بصمة لا تمحى” وقد تكون هذه (بنى هيكلية متجهة) او (بنى شكلية طوبولوجية) او ما يسميها الخبير بالفن الإسلامي الكسندر بابادوبولو (بالهيكل الرياضي) وأسماها الناقد شاكر حسن آل سعيد (المدرك الشكلي) فتتكون “الصورة الفنية … من صورة مركبة ناتجة من اندماج عناصر الشكل القابلة للتحول في الصورة المستوعبة بعناصر الشكل القابلة للتحويل في صورة الذاكرة… “، حيث “ان الشكلي (او النمطي) للبيئة المستوعبة تندمج مع العناصر الجوهرية للعالم الداخلي، عالم الكينونة” (اوكونور).
يخلص فرانكلين ر. روجرز إلى استنتاج مهم هو ان جوهر كتابه (الشعر والرسم) بـ”ان الاستعارة اللفظية يمكن فهمها فقط من خلال الاستعارة البصرية”، وان “الفن كله تسجيل للإدراك الحسي التحولي”، و ان “الاستعارة هي … العملية التحولية” ليست في الحقيقة غير “تلامس سطحين مستويين احدهما مركب فوق الآخر وبينهما الانقطاع الأساسي”، وبذلك فقد تبنى الناقد الصالحي دعوة فرانكلين ر. روجرز باعتماد التحول، الإدراك الحسي التحولي، بديلا عن المحاكاة باعتبارها جوهر الفن.
ان واحدة من أهم أنماط التشاكلات الصورية cisomorphism التي شرحها روجرز هي (التفاعل الاستعاري بين الشكل الإنساني واللا إنساني”، حيث يكون الرسم برمته عملية استعارة بمثابة تحول transformation ، وقد كانت تجربة فان كوخ في الرسم نموذجا كبيرا لهذا النمط من الأنسنة سواء في إعمال الرسم او في مدوناته فقد كان فان كوخ قادرا على جعل صخوره وأشجاره وكل أشكاله تتلوى من فرط العذاب الإنساني، لقد ظهر التفاعل الاستعاري بين الشكل الإنساني واللا إنساني بكامل قوته في رسائله حيث يقول في إحداها: “أحيانا يكون صف من أشجار الصفصاف المقطعة موكبا من رجال دار العجزة… ويبدو العشب المداس بالأقدام على جانب الطريق متعبا ومتربا مثل الناس التي تعيش في أحياء فقيرة… رأيت مجموعة من نبات الكرنب الأبيض تقف متجمدة ومشلولة، وقد ذكرني ذلك بمجموعة من نساء بتنوراتهن الرقيقة وشالاتهن القديمة”، وهو ما يؤكده تصريح بيكاسو “إلى أي حد تشبه نخلة جوز الهند الجذع السفلي للمرأة…” و”في بعض الصور الفوتوغرافية، تستحضر القشعريرة الظاهرة على الجسد، قشر البرتقالة، او تحبيبات الحجر”، وان واحدة من النماذج المهمة في ميدان التشاكل الصوري عند فان كوخ لوحة (آكلو البطاطا) “فاللون الذي رسمت به يشبه لون البطاطا متربة جدا مع قشرها” لتتحقق واحدة من أجمل التشاكلات الاستعارية عند فان كوخ وهي (استعارة الإنسان- البطاطا).
لقد كانت وجهة النظر المتممة الأخرى هي رؤية الكاتب شاكر لعيبي في كتابه (بلاغة اللغة الايقونية…الصورة بوصفها بلاغة)، فكان عنوان كتابه يتضمن هذه الثنائية “بلاغة اللغة الأيقونية… الصورة بوصفها بلاغة” وكذلك كان يدلل منذ العنوان بأنه: بأنه يقف ضمن الاتجاه السيميولوجي الذي يعتبر السيميولوجيا جزءا من اللسانيات حينما يقول “ما زالت اللغة المنطوقة على ما يبدو ضرورة في قراءة اللغة البصرية”، ولا يكتفي بذلك فيعمد الى ترحيل آلية من اللغة إلى حقل الصورة البصرية، وهي الاستعارة او المجاز الذي يتضمن معنى (الانحراف)، وبذلك فهو يستعير ذات الآلية التي كرس لها كتاب (الشعر والرسم) اهتمامه باعتبارها الآلية الأكثر فاعلية لدراسة (الصورة الشعرية)، وتتضمن حقلي استعارة يتشاكلان صوريا لإنتاج الصورة، وبذلك فإننا نتقل إلى مستوى أعمق من قضية استنطاق العلاقات بذاتها، او استنطاقها بمعونة اللغة المنطوقة. ويبدو شاكر لعيبي وكأنه قد شعر بالخوف من ان يوجس القراء في أنفسهم ريبة فيؤكد “عندما يتعلق الأمر بالبلاغة الصورية، لا يتعلق الأمر، بحال من الأحوال، بعمل تلفيقي، ولا باستجلاب قسري لمصطلحات حقل إلى حقل مختلف، ولا بتقويل البصري ما تقوله البلاغات اللفظية” والسبب برأي المؤلف يتعلق “بامتلاك البصري، بطبعه أصلاً، بلاغة تأويليه ومجازات تتماس مع المجازات اللفظية المعهودة” ويماثل المؤلف بين المجاز اللغوي والصورة البصرية هنا في قوله “ان المجازات اللفظية هي (انحراف متعمد) للغة عن استخدامها القاموسي… والصورة image بطبعها تتضمن شيئاً يمكن ان يوصف بالمجازي طالما ان فيها موضوعاً غائباً فعلياً لكنه حاضر دلالياً: لوجود الغائب” لذلك فهو يستنتج ان “المهم في الصورة ليس ما يحضر فيها ولكن ما يغيب” ونحن ربما تختلف معه في إعطاء الأهمية (لما يغيب) من الصورة، فأن ذلك سيؤدي إلى نقل الصورة من اعتبارها (واقعة شيئية) من خلال عناصرها الشيئية إلى معاملتها باعتبارها موضوعاً سردياً وفي ذلك تخسر الصورة جزءا من وجودها الشيئي.
وان شاكر لعيبي يهدف الى ” إقامة مماثلة بين أمرين أو أكثر قصد اشتراكها في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” حينما يؤكد أن “في اللغة الأيقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر بأداة لغرض مقصود” بينما يؤكد في الوقت ذاته ان “في اللغة الايقونية نجد تماثلات بين أمرين مرئيين بسبب اشتراكهما في صفة أو أكثر” وبذلك سنعود إلى المربع الأول وهو ان (التشاكل الصوري) في كتاب (الشعر والرسم).
ويستند المؤلف على ما قاله “الفلاسفة المناطقة المسلمين باغتراف الشعر والتصوير كليهما من (التشبيه)، والمراد بذلك هو سعي الفنين لمحاكاة الطبيعة وهذه هي فكرة ارسطرطاليسية عن جدارة”. ويستشهد المؤلف بقول الفارابي عن العلاقة بين الشعر والصورة البصرية، “ان فعليهما جميعا التشبيه، وغرضهما إيقاع المحاكيات” ويستشهد بأقوال أخرى لابن سينا وابن رشد وأخوان الصفا والجرجاني، وكلها “نصوص تشدد بشكل رئيسي على مشكلة المحاكاة المختصرة إلى مصطلح بلاغي سائد في المجاز العربي وهو التشبيه”.
ان الاستنتاج الاهم هو انه إذا كان فرانكلين ر. روجرز قد خلص إلى استنتاج شكّـل جوهر كتابه (الشعر والرسم) بـ”ان الاستعارة اللفظية يمكن فهمها فقط من خلال الاستعارة البصرية”، فان شاكر لعيبي، برأينا، خلص إلى استنتاج مكمل شكل جوهر كتابه وهو ان الاستعارة البصرية يمكن فهمها فقط من خلال الاستعارة اللغوية (والمجاز).
هاشم حنون … نموذجا تطبيقيا
افترضتُ ان الـ(بنى الشكلية الطوبولوجية) الخفية التي سبق وذكرتها قد شكلت مرتكزا بنائيا في تجربة هاشم حنون منذ مرحلته التعبيرية في معرض 1990 في قاعة الرواق الذي كان مكرسا لموضوعة الشهادة؛ فكان هاشم حنون يقسم السطح التصويري الى منطقتين طوبوغرافيتين مختلفتين بدرجة قداستهما؛ مما انتج بنيتين هيكليتين متجهتين هما:
البنية الهيكلية العمودية (الارتفاعية) وتتألف من منطقتين طوبوغرافيتين: مثلث أسفل هو (مثلث الوجود الدنيوي) رمزا معادلا للوجود الدنيوي، بضمنه الموت كحقيقة دنيوية؛ بينما يمثل المثلث العلوي (مثلث الانبعاث) والخلود السماوي، وهو ما يمثل الموت كحقيقة أخروية، وتمثل نقطة التقائهما، في مركز اللوحة (باب السماء) الذي تخترقه الروح في صعودها الى الأعالي.
والبنية الهيكلية الأفقية التي اسماها القاص محمد خضير (التضحية في وضع أفقي) التي نجد جذورها في الفن العراقي الرافديني القديم ضمن مشاهد التقديم الكلاسيكية في الأختام الأسطوانية وتكون فيه حركة الشخوص رحلة دنيوية أرضية تجاه خلود ارضي نحو بناء مدينة فاضلة هي حصيلة بناء عمل اجتماعي.
وكانت بنية الكائن الحجر، تشكل عملية تشاكل بين الشاهدة والحرز والتميمة والمسلة وبين الكائن الحجر، وهي تطور هام كان يجر منجز الفنان نحو (التجريد)، وهي مرحلة توضح تشبع الرسام بأيقونـــــات الفن العراقي الرافديني القديم و(بجينات) ذلك الفن فكانت أيقونة التميمة التي تسمى شعبيا (الحرز) هي الأيقونة الأكثر أهمية في المرحلة التجريدية أواخر الثمانينات من تحولات الفنان فكانت محاولة لتحقيق اكبر اقتراب من المادة التي يشتغل عليها، فكانت (أيقونة التميمة) عناصر صورية شتى: علامات، وخطوط، ونقاط هي في حقيقتها مختزلات صورية انفصلت عن وجودها اللغوي، أو ربما سبقته وجودا.
لقد أقام الفنان أربعة معارض مهمة اعوام 1996 في بغداد (قاعة دجلة) 1998 ،وعمان 1999(قاعة الأندى) ومدن ملونة في عمان (قاعة الاندى) عام 2000 ، و فضاءات ملونة في عمان (قاعة الاورفلي) عام 2000 حيث تظهر علامات المدن واكتظاظها بموجوداتها وساكنيها وعابري سبيلها ليعيد بناءها من فتات قرميدها، وآثار جدرانها، طبقة فوق أخرى، بثراء لوني مدهش، واكتظاظ شكلي بكل ما جمعته الذاكرة، ليس من (علامات المدينة) وحدها بل ومخزونات مما رسمه الآخرون عنها، منذ بواكير الفن العراقي المعاصر، وحتى وقتنا الحاضر.
لقد ظهرت بعض التجارب التي كمراحل سريعة ضمن تجربة هاشم حنون كالمكعبات التي كتب عنها الكاتب هاشم تايه، وتجربة المدن السبع التي كتب عنها الكاتب صدام الجميلي، ومجسمات خمسة شكلت مجموعة اعمال استثنائية عرضها الرسام في موقعه على الانترنت وفي معرضه الاخير (مسلات الطين 2004)، وفيها اختفى الضوء من مدينته الحجرية هذه، فتختفي الشمس .. ويهيمن الظلام الاسود الفاحم بقوة.. فتكون المشهد في (مسلات الطين 2004) من مهيمنتين: الطابع الحجري حيث الطين الجاف او المفخور، والوجود البشري (حيث: المدن، المسلة، الكتابة، التاريخ، المدونات، آثار الناس والعابرين)، فكانت مزيجا من: المدن الملونة التي عايشها هاشم حنون في صباه، والمدن الحرائق التي افنى شبابه في حرائقها، والمدن الحجر التي انتهى اليها مقيما في عمان الان.
لقد اتخذ هاشم حنون، منذ أولى مشاركاته في معارض العاصمة العراقية بغداد،الجسدَ (مهيمنة شكلية) أسس عليها معمار لوحاته، جاعلا أعماله تلك مشبعة بإيماءات الجسد الإنساني منذ لوحته (الأولى) التي أطراها جميع من كتب عن بدايات هاشم حنون، ونعني بها لوحة الشهيد التي كانت تصور الجسد المسجى الذي تحيط به النسوة الناحبات، فكان يوظف إيماءة ذلك الجسد الإنساني.
واتخذ هاشم حنون لوحاته الملونة بنية يقيم عليها تجربة تخطيطاته التي صنفتها باعتبارها عائدة الى فعل التفكير (بطريقة ملونة)، وهو ما ظل جاثما على الرسام حينما انجز تخطيطاته، فكانت صفحتها ميدانا لاشتغال الفجوة التي تسمح للقارئ بالتدخل بهدف ملئها ويسميها إيزر (الفراغ الباني) وهي ما تشمل: الانفكاكات التي تدعو القارئ إلى وصلها… حيث يجد القارئ فرصته في البياضات أو مواقع اللاتحديد التي يهيؤها النص ويتدخل، كشريك للمؤلف، في تشكيل المعنى، وان الفجوة التي يتخذها هاشم حنون استراتيجا ثابتا في بناء تخطيطاته، مفهوم شيئي (متيريالي او ملموس)، وان ملء هذه الفجوات هو فاعلية يقوم بها المتلقي، لذا فهي فاعلية تشمل اللوحة والمتلقي معا، وعلى الاخير ان يستند في ذلك على مخزوناته من الخبرة السابقة.