لكل ثورة أهدافها وانجازاتها ودواعيها , ومنطقها وطرائقها الخاصة في التنظيم والتخطيط والتعبير , وأي ثورة يحصل فيها مد وجزر , وتتخللها فترات عنف وهدوء وترقب وأمل , وفي بعض الأحيان يحدث في كل الثورات فترات فشل وشطط. فمن قائل إنها وليدة تغيرات اجتماعية متنوعة , تراكمت وتفاعلت عبر التاريخ تفاعلا عشوائيا غير مفهوم , وظلت مطوية في سجل المجتمعات الحضارية , تحاول الانطلاق بفعل الأزمات والاهوال , وبفعل التقلبات والتحولات الاجتماعية , كما يحدث اليوم في المجتمعات الرأسمالية الصناعية النامية , وفي المجتمعات المختلفة والمتنامية اقتصاديا وصناعيا , أو في مجتمعات دول العالم الثالث كما هو معروف وشائع. ويرى علماء الاجتماع تفسير الثورات في مفهوم أو إطار اجتماعي , وعلم الاقتصاد في مفهوم مادي وصراع طبقي فقط , متناسين العوامل الروحية أو الدوافع الدينية التي حركت كثيرا من الثورات والردات والانقلابات التي ظهرت في كتب التاريخ في عالمنا الإسلامي والعربي , بيد أن قيام الثورات يخضع إلى عامل واحد لا بتعدد الأسباب. ومهما قيل عن حتمية التناقض في العلاقات الاجتماعية وحتمية الصراع وتعددية العوامل , فالثورة الإسلامية حدث كبير جدا في تاريخ الثورات السياسية والدينية , وتعد الثورة الإسلامية في إيران أضخم وأعظم حدث في تاريخ العالم المعاصر , وأكثر المفكرين والمحللين لم يجدوا تفسيرا مقنعا لانطلاقها , سوى أنها ثورة إسلامية قائمة على العدل والمساواة والحق , وينظر إليها نظرة عقائدية , ميتافيزيقية ما وراء الطبيعة ([1]).
أما طبيعة الثورة الإسلامية فقد كان للعامل الديني دور كبير في تأجيج الثورات , جعل أكثر الكتاب المعنيين بشؤون الشرق الأوسط , وعلى وجه التخصيص في الشؤون الإيرانية , يرجعون قيام الثورة الإسلامية وقدرتها على إسقاط النظام الملكي المتوارث منذ قرون , إلى عوامل اقتصادية ذات ملامح اجتماعية , دون أن يكون للدين أو لعلماء الدين , دور مهم في تحريك الجماهير المسحوقة التي ظلت تترقب إنقاذها من براثن الظلم والفقر والاستعباد , بعد أن فشل أصحاب الأطروحات السياسية في تحقيق أمانيها في الحرية والحياة الكريمة. فارتكبوا أخطاء كبيرة بحق أنفسهم ومصالح شعوبهم , وادخلوا بلادهم وأمنها ومستقبلها في حلقة مفرغة من الأفعال وردات الأفعال. وكان لسلسلة المظاهرات والثورات التي اجتاحت المدن الإيرانية تاريخ ما قبل الثورة للتعبير عن رفضها لنظام الشاه أظهرت – كما فعلت من قبل – حقيقتين وهما : تمسك جماهير الشعب الإيراني المستمر بالإسلام , وحيوية الزعامات الدينية في توجيه الأماني الشعبية نحو أهدافها. بيد أن النظرة السطحية إلى المظاهر الحضارية في أكثر المدن الإيرانية الكبرى قد توحي بان إيران قد أصبحت اليوم من أكثر مجتمعات العالم الإسلامي تحولا نحو الأنماط الغربية , وأكثرها بعدا عن الإسلام. ولكن الواقع هو أن حركة من أكثر الحركات حيوية وعمقا تسري في صفوف الشعب لضمان الهيمنة والسيطرة السياسية والاجتماعية للدين الإسلامي في إيران. وعندما بدأت موجة التذمر والسخط تظهر في صفوف الناس – ومن الأسواق التجارية عادة – لم يتخذ الشاه خطوة لتطويقها أو صدها , بل تمادى في إجراءاته التعسفية , وسيطر على مجرى الأحداث بنفسه سيطرة مباشرة وانتزع ثقته بحاشيته , واستخدم كل الطرق لتحقيق أهدافه , وقطع كل طريق يربطه بأبناء وطنه. واهم هذه الطرق كلها الطريق المؤدي إلى الجانب العلمي والروحي وهو طريق لا يمكن نسفه. ومما يختلف المفكرون في دراسة السجل التاريخي لحياة الشاه , فانه سجل قصة كان بطلها عالم ديني شيعي , لم يأت إلى ارض وطنه منذ ستة عشر عاما , تمكن من الإطاحة بعرش الشاه. ولكي نفهم هذه القصة , لابد من التعرف على قوة العقيدة الدينية المسيطرة على الشعب الإيراني المسلم. فان تبدى لأحد , مشاهدة مؤيدي آية الله الخميني , وهم يتظاهرون في شوارع طهران , كأنهم أناس متعصبون , وهم تحت فوهة المدافع , ثم يحملون البنادق بعد سقوط الجيش دون الاهتمام لسلامة نفوسهم , وكان وراء ذلك كله هدف واحد بحسب ما يرى بعض المفكرين الغربيين الذين اهتموا بدراسة الثورة الإسلامية الإيرانية هو طلب الشهادة , والشهادة من اجل الدين من مقومات المذهب الشيعي الأمامي الأساسية. فالمسلمون الشيعة على استعداد , وفي الغالب الأعم , يرغون في أن يموتوا من اجل مثلهم , إذ تعلموا منذ طفولتهم أن الاستشهاد هو التعبير الأسمى للوجود الديني([2]).
لقد كان للثورة الإسلامية , انعكاسات كبيرة في معظم أنحاء المعمورة , وردود فعل متشنجة في بعض الأقطار العربية العلمانية وغير العلمانية , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يرى (الإسلاميون الملتزمون ) والساسة الإيرانيين الذين فسروا الثورة الإسلامية , بمعزل عن العوامل المادية , ومن بين هؤلاء مهدي بازركان ( 1994) وعلي شريعتي ( 1977). فذهبوا إلى دراسة التاريخ الإسلامي , والعقيدة الإسلامية , باحثين عواملها المادية والاجتماعية , وسائرين مع اجتهادات علماء الدين , وحاولوا الجمع بين تراث الفكر الإسلامي والتقاليد الدينية المعتبرة , وكونوا مدرسة فكرية إسلامية جديدة , ساعدتهم على ضم بعض المثقفين المدنيين إلى صفوفهم , ونخص بالذكر جماعة المهندس مهدي بازركان أستاذ في جامعة طهران سابقا , والدكتور علي شريعتي أستاذ في جامعة مشهد سابقا. لابد من الإشارة إلى الثورة الإسلامية تجمع خطابات متنوعة منها ما كان يمثل اليسار الإسلامي مثل (علي شريعتي ) إذ بدا علي شريعتي· نشاطه خارج المؤسسة الدينية , وفي فترة دراسته في فرنسا , وبعد الانتكاسة التي أصيبت بها الحركة الوطنية , وبخاصة الأجنحة اليسارية المتطرفة , وفي نطاق تعاونه مع آية الله محمود الطالقاني ( ت 1979) , ومهدي بازركان. وزاول نشاطه داخل إيران في منتصف عام 1977 على مستوى ضيق , وفي ضوء ظروف الحركة السياسية اليسارية التي شهدت نشاط منظمة مجاهدي الشعب وفدائي الشعب المسلح والمحدود أحيانا , إما الخطاب الثاني الذي يمثله السيد آية الله الخميني الذي كان المرجع الأكبر الذي احدث تحول مهم , في وسائلها التوعية والتنظيم عبر قواعدها الإسلامية الشعبية , وهي المساجد والحسينيات. وهيأ الشباب لتبني وجهات نظر شاملة حول تاريخ الشيعة ونضالهم الثوري , وموقفهم من السلطة والدين , وتنقية الدين الإسلامي – كما ذهب – من شوائب الانحطاط والتخلف وتحويله إلى ثورة اجتماعية. كان شريعتي يريد من خلال العودة إلى أصالة الإسلام , بناء منظومة إيديولوجية وفكرية كاملة , تشق طريقها خطا ثالثا بين الإيديولوجيتين الماركسية والبرجوازية. لكنه كان يائسا بشكل مطلق من المؤسسة الدينية القائمة. لذلك استهدف بناء شي جديد تماما – شي ينهض من وسط الشعب , وبأيدي جيل الشباب أنفسهم. لهذا كانت مهمته في غاية الصعوبة. وقد اصطدمت قبل كل شي , بتعنت ومعارضة علماء الدين , الذين رأوا في أطروحته نوعا من البدع , واتهموه في تهم باطلة كثير ومنها بالعمالة للصهيونية ثم حاول علماء الدين إبعاد علي شريعتي من ميدان الفكر الديني والسياسة , ويعود السبب في ذلك لأنه خطر بحسب ما يرى علماء الدين على الحركة الإسلامية وعلى نجاح الثورة وخاصة في القواعد الشعبية المتدينة وفي صفوف طلبة المعاهد الدينية الذين يمثلون ركيزة مهمة من ركائز ( المرجعية ). ويلقى أمثاله من المفكرين دائما تأييدا مكشوفا من ( السلطة ) ومن الحركات (اليسارية ) ومن الجهات ( الأجنبية ) والعلمانية وبعد كل هذه التهم الموجهة إلى المفكر الإسلامي علي شريعتي تم اغتياله في لندن نهاية عام 1977 ميلادية([3]).
- قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979
صرف الشاه ملايين الدولارات من اجل تحديث وتقوية الجيش , من اجل أن تكون إيران اكبر قوة بحرية في الخليج , واحدث قوة جوية في الشرق الأوسط , وخامس اكبر قوة عسكرية في العالم تمتلك أحداث أنواع الأسلحة , ولكن الجيش الإيراني خذل الشاه خلال أحداث الثورة الإيرانية بين عامي 1978 و 1979 وحتى بعد سقوط نظام الشاه ونشوب الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980 تمكن العراق من توجيه العديد من الضربات للجيش الإيراني([4]).
وان الأمور التي عجلت في سقوط نظام الشاه , هي المقالة التي نشرت في 7 يناير 1978 , بعنوان ( إيران والاستعماران الأسود والأحمر ) والتي اسخطت كثيراً من أبناء الشعب , إذ أهان فيه الخميني. وقد نشرت المقالة صحيفة اطلاعات شبه الرسمية , وذلك بعد زيارة كارتر إلى إيران. بعد ذلك انطلقت المظاهرات الاجتماعية الصاخبة في قم , إذ ذهب الناس إلى الشوارع مستنكرين سجل النظام الأسود , غير أن رد النظام كان من خلال استعمال القوة الغاشمة وسقط على أثره نحو 200 قتيل. ورغم التحديات , فقد تكررت المظاهرات في إرجاء البلاد , ليقابلها النظام بالرصاص وإراقة الدماء البريئة , ثم تطورت هذه من مجرد حوادث منفصلة في إنحاء البلاد , إلى حركة متناسقة وموحدة , رافعة شعار اسقاط نظام الشاه. وإقامة حكم جمهوري إسلامي مكانه. واستمرت مسيرة الانتفاضة ولم يكن للنظام يتوقعها , واتضح أن الشرطة السريةٍ ( السافاك·) لم تتمكن من أن تواجه هذه الانتفاضة الجماهيرية العارمة , كما أن أفراد امن الحامية المحلية عجزوا عن التدخل بصورة مؤثرة على الرغم من استخدام الطائرات السمتية المزودة بالمدافع الرشاشة , وبدأت الأعمال الانتقامية القاسية إلى أن وصل عدد الذين استشهدوا في انتفاضة بتريز 200 شخص. وتحولت المظاهرات المتناثرة إلى ثورة جماهيرية لم يتنبأ بها حتى أدق المراقبين. ومن ثم امتلأت شوارع طهران وعدد من الميادين الأخرى بالجماهير الغاضبة , وقد ارتدت الأكفان استعدادا للشهادة , وتقدمت في صفوف متراصة نحو فوهات البنادق الرشاشة الموجهة نحوهم , بحيث لا يمكن إحصاء عدد القتلى في تلك المظاهرات([5]).
بيد أن اخطر التظاهرات التي قامت بعد ذلك على الإطلاق هي التي تجمعت يوم 8- 9- 1978 ( يوم الجمعة الأسود ) أمام البرلمان , تلك التظاهرة التي نادى منظموها بسقوط الشاه وحكومته , فاضطر الجيش للتدخل وتفريق المتظاهرين. وتحولت ساحة البرلمان إلى ساحة للشهداء , وأصبح المشهد الدامي بمنزلة النهاية الفعلية لسلطة الشاه ونظامه السياسي في الدولة([6]).
وفي ضوء هذه الإحداث اصدر الخميني أمراً للناس , من مقره في باريس بالقيام بالمظاهرات , وأدى هذا الإصدار إلى الزيادة من هياج النظام , وعندما أدركت الحكومة أن الناس لا ينوون التزام منع التجول ألغته وأجازت التظاهر. فخرجت تظاهرات ضخمة في أهم شوارع طهران , إذ كانت تسكن العائلة المالكة وأبناء الذوات وأصحاب المال هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد اتجهت جموع الناس في الشوارع الكبيرة نحو الساحة حيث تم قراءة بيان أيده المجتمعون. ويحتوي هذا البيان على 16 فقرة , واهم النقاط التي دعا إليها البيان هي : إلغاء الملكية , وإقامة جمهورية إسلامية , والتزام بعض المبادئ المعينة في السياستين الداخلية والخارجية([7]).
أما جبهات المعارضة الوطنية فقد بدأت الاتجاه نحو الخميني ٍلقيادة الثورة إذ بدا نشاط الخميني بعد أن رفعت السلطات العراقية الحظر عنه بإيعاز من الحكومة الإيرانية فغادر العراق إلى باريس في أكتوبر عام 1978, ويعتبر هذا التاريخ بداية العمل السياسي المنظم والمعلن من جانب الخميني ضد النظام الملكي الحاكم , وقد اصدر أول بيان له من باريس بعد ثلاثة أيام من وصوله أعلن فيه إن حكومة العراق طلبت منه أن يختار بين السكوت أو مغادرة البلاد إلى بلد آخر , وانه ما لم يكن يستطيع السكوت فقد اثر مغادرة العراق لأنه شعر أن السكوت يجعله مذنبا في حق الشعب الإيراني , ولما رفضت الكويت السماح له بدخول أرضيها فقد قرر السفر إلى باريس ليتدبر أمر إقامته من هناك , وقد رشح له الذهاب إلى بلد إسلامي ليقيم فيه مثل الجزائر أو سوريا. إلا انه فضل الذهاب إلى فرنسا , وبدأت السلطات الفرنسية تبدي اهتماما بالخميني وتمنحه بعض الحريات في ممارسة نشاطه وتسمح لأصدقائه وإتباعه بزيارته ولقائه , وبدأت تخرج من العاصمة الفرنسية تصريحات الخميني السياسية , وكانت أول رسالة إلى الطلاب الإيرانيين المضربين يشجعهم ويطلب منهم الحذر ويهاجم حزب تودة الشيوعي ويتهمه بمحاولة إحباط النهضة الإسلامية القائمة في إيران , ويهاجم الدول الكبرى أمريكا والاتحاد السوفيتي والصين لمحاولة تدخلهم في الشؤون الإيرانية. وقد شجعت تصريحات الأمام الخميني المعارضة في البرلمان على إثارة قضية إبعاد الزعيم الديني عن البلاد واستجواب الحكومة حول أسباب ذلك ومطالبتها بسرعة العمل على إعادته للبلاد([8]).
وعند عودة الإمام الخميني من باريس المنفى إلى إيران , واندلاع مظاهرت الشوارع في طهران وتبريز وقم ومشهد وغيرها من المدن الإيرانية , تستدعي إلى ذاكرة الكثيرين ذكريات الثورة الفرنسية. ويالها من مفارقة جامعة , إذ يعود الخميني من باريس الباستيل ليقود ثورة الكاسيت إلى مداها الثوري , ويجب أن نذكر انه أي الخميني عندما عاد إلى إيران استقبل استقبال الفاتحين المنتصرين والتف حوله الناس والزعماء ,وأصبح سيد الموقف في إيران , وفي ضوء هذه الأحداث تمكن الإمام الخميني من أن يطيح بالشاه ( محمد رضا بهلوي ) في منتصف يناير عام 1979, وهو الأمر الذي كان يصر عليه الإمام الخميني إذ ( على الشاه أن يذهب ) , وبعد سقوط الشاه بدأ الخميني في إقامة الحكومة الإسلامية , وهذه المرحلة الجديدة من تاريخ إيران تسمى بالثورة الإسلامية تحت زعامة الإمام الخميني ومجلسه الثوري([9]).
وبعد كل هذه الأحداث عن دور الخميني في الثورة الإسلامية الإيرانية يجب أن نعرف من هو آية الله السيد الخميني
الأبعاد الثقافية و العلمية والسياسية عند الأمام الخميني
أولا : الأبعاد الثقافية :
يؤكد الإمام الخميني كثيرا على دور الثقافة الأساسي , ويعرف الثقافة بأنها مبدأ كل أفراح الأمم وماسيها فالشيء الذي يصنع الأمم هو الثقافة الصحيحة. وكذلك يذكر الخميني بان الماء والخبز والبطن ليست هي الميزان فالأساس هو الكرامة الإنسانية. وأكد أيضا على متابعة الإنسان لحياته حتى لو كانت تحت ظل الرشاش والمدافع والدبابة , لن يمكن له أن يكون أنسانا , لن يستطيع أن يصل اهدافة الإنسانية. لذلك والكلام للخميني يجب إزاحة الرشاشات جانبا بالكلام والقلم واملؤوا الميدان بالأقلام والعلوم والمعارف. بيد انه يقول إن الفن الذي يكون في خدمة الاستعمار والاستثمار والفن ليس فنا , وهو خال من أي قيمة. على عكس الفن في العرفان الإسلامي هو رسم واضح للعدالة , والكرامة والإنصاف وتجسيد لمرارة الجائعين للسلطة والمال الملعونين([10]).
كان لثقافة الإمام الخميني وأسلوبه التربوي الدور الكبير في سحق عائلة بهلوي والمستغربين المرتبطين بها. إذ قال بعضهم انه في ظل إحداث ثورة 15حزيران 1963, وفي تلك الظروف الاجتماعية المؤسفة والخانقة سأله احد أصحابه أي أمل لديك , وعلى أية قوة تعتمد في السعي للثورة ولإقامة حكومة العدل. فأشار إلى طفل في المهد([11]).
وبعد انتصار الثورة الإسلامية كانت الجامعة هي منطلق الثورة الثقافية كما يرى الخميني , إذ يؤكد على أن سعادة الشعب وشقاءه لابد أن تنطلق من الجامعة لذلك يجب إصلاح الجامعات في كل المجالات , وعند مرور عام على انتصار الثورة الإسلامية كانت الجامعات تنذر بمشكلات كبيرة تغرق البلاد في حربا داخلية. فقد تحولت هذه المراكز الثقافية إلى قواعد للأحزاب المناوئة للثورة , منها تنطلق المظاهرات المختلفة , وفيها تقام التجمعات المعارضة , وداخل أروقتها التي تحولت إلى ما يشبه الثكنات العسكرية , يتم التخطيط للتحركات الانفصالية والأعمال الإرهابية. وقد استغلت هذه الأحزاب أجواء الحرية السياسية الواسعة التي حصلت بعد انتصار الثورة لتروج لمبادئها , وتتخذ من الجامعات أفضل الأماكن للاستقطاب والجذب. وكان كل من يدخل جامعات البلاد الأساسية في تلك الأيام كان يرى ثكنات فيها طلبة يحملون أسلحة مختلفة اغنموها من القواعد العسكرية للجيش الإيراني أثناء انهياره حتى السيارات العسكرية والمدرعات كانت في عداد الاعتدة. وقد حولت بعض الأحزاب الحرم الجامعي إلى أماكن للتدريب العسكري وإرسال المسلحين ليقاتلوا إلى جانب رفاقهم في الحزب الكردي , الذي كان يشن اكبر حركة انفصالية عرفتها الجمهورية بعد إقامتها , وأوسع حرب عصابات ضد الجيش والحرس([12]).
وفي ضوء تلك الإحداث تمكن الإمام الخميني من مواجهة هذه المعضلة من خلال رؤيته في إصلاح الثورة الثقافية , إذ أعطى مجموعة من التوجيهات التي أدلى بها في محنة الجامعة وما يتعلق بالثورة الثقافية وهذه التوجيهات هي على النحو الأتي([13]).
- دعا الأمام الخميني إلى تغيير الكتب المدرسية سواء في الثانويات أم الجامعات تغييرا جذريا , واستبدلوا كل الصورة والموضوعات التي تحقق منافع الاستعمار والاستبداد بالدروس الثورية والإسلامية التي تنور الأطفال والشباب وتجعلهم أحراراً مستقلين .
- يجب أن تكون الجامعات في الجمهورية الإسلامية مستقلة , أي يجب إن تتحول الثقافة الاستعمارية إلى ثقافة مستقلة .
- تطهير المراكز الثقافية وضع أرضيات للإصلاحات من خلال إنشاء مجالس تضم في عضويتها أشخاصا يتسمون بالثقافة ومؤمنين بالثورة , من اجل إنقاذ الجهاز الثقافي من التغريب والتعاليم الاستعمارية , وبهدف تحقيق هذا الهدف لابد من مشاركة الحكومة ومختلف إطراف الشعب .
- لا بد من تنحية أساتذة الجامعات المرتبطين بالشرق والغرب , وتبقى مكانا لتدريس العلوم الإسلامية العليا , وكذلك ينبغي ترك أفكار نظام الشاة الثقافية في كل إيران .
5- أعلن الإمام الخميني منذ مدة عن ضرورة الثورة الثقافية وهو أمر إسلامي يمثل إرادة الشعب المسلم , وقام في إنشاء مجلس للتخطيط ووضع المنهج الثقافي المستقبلي للجامعات على أساس الثقافة الإسلامية , وأعطى المهم في إنشاء هذا المجلس إلى علي شريعتمداري· وغيره .
ثانيا : الأبعاد العلمية :
تعني النهضة أو الإبعاد العلمية التغيير السريع والجدي في المؤسسات العلمية , مع بث الشعور بالمسؤولية في الشرائح المختلفة , لذلك فان ( عبارة النهضة العلمية ) تعني المشاركة العامة في الإصلاح الهيكلي والمضموني للمعرفة العلمية وهذه المشاركة تؤكد على إنتاج العلم الديني. وهذا لا يقتصر على الجغرافية السياسية لبلد إسلامي ما , أو جميع أنحاء العالم , بل تشمل العالم البشري كله([14]).
لقد كان الترابط بين العلم والدين من وجهة نظر الإمام الخميني هو إن العلم هو حقيقة صحيحة تنير الدرب , لكنه يرى أن العلوم الرائجة ليست مطلوبة ومنشودة بشكل مطلق. ومن هنا يقول (( أنا لا أقول بضرورة أن لا نأخذ العلم من الخارج بل أقول إن علينا أن نتعلم منهم الأمور الجيدة , ونستبعد السيئة منها , فهم يعلموننا الشيء , ولا يتركون لنا الحسن. إنها لمصبية – أيها السادة – إن يذهب شبابنا إلى هنا ليتقلوا دروسا استعمارية إن طبهم هو الآخر استعماري , فلا يدعونهم يتقدمون. وإذا ما أعطونا – على سبيل الفرض – شيئا من علومهم , أعطونا ما لا يعود علينا بالنفع. فشبابنا يذهبون إلى هناك , ويتعلمون في مدارسهم تلك العلوم الاستعمارية ))([15]).
وفي تقديري أن الإمام الخميني كان يحدث الشباب على اخذ الجوانب الايجابية في مجال العلم من الدول الغربية , ورفض الجوانب السيئة التي لا تنطبق مع المبادئ الإسلامية , كما ويجب أن تحصل علاقة بين الدين والعلم حتى لا يقع الشباب الذين يذهبون إلى الدول الغربية من اجل الدراسة في فخ المجتمعات الغربية التي لا تتناسب مع الدين الإسلامي .
وفي خضم النهضة العلمية عند الإمام الخميني قام بدراسة علم الحق التفصيلي قبل الإيجاد , إذ يقول انه قد ثبت لدى أصحاب البرهان الفلاسفة وأرباب العرفان بان الحديث الشريف قد اومأ إلى أن العلم بالمعلوم قد كان في الأزل وقبل الإيجاد , وانه عين الذات المقدس. ثم تحدث الخميني عن العلم الشهودي من خلال عرضه لسبل إثبات علم الحق تعالى , بيد أن فهم واستيعاب الحقائق الإلهية خارج عن عهدة براهين المشائيين وأقيسة الفلاسفة وجدال المتكلمين. وان هذا العلم مختص بأصحاب القلوب من أهل الله الذين سلكوا سبيل المجاهدة فاستنارت بواطنهم من مشكاة النبوة ومصباح الولاية. بالرياضات والمجاهدات. ويسمي الإمام الخميني هذا العلم الخاص بالعلم الشهودي وهو يحصل لكل سالك فنى في ذات الله وصفاته وأسمائه وبقي ببقاء الذات([16]).
وفي نهاية هذه الإبعاد العلمية نقول تمكن الإمام الخميني من تبين النهضة العلمية من خلال فلسفته في طرح هذا الموضوع وضرورته , التي ظهرت في دراسته للعلوم المختلفة عند مختلف الفلاسفة والمكفرين وأصحاب العرفان وغيرهما , ونتيجة لهذه الدراسات يمكن لنا القول , انه كان يؤكد بان جميع الانتاجات العلمية يجب أن تعود إلى العرفان , ويعود السبب في ذلك لان الذي يدرس آثاره وأعماله الفكرية يلاحظ ميل الخميني إلى الفكر العرفاني في النهضة أو الأبعاد العلمية .
ثالثا : الأبعاد السياسية :
ليس من المكن أن تتشابه المفاهيم ولا التفاسير التي أطلقها الإمام الخميني على مفهوم السياسة , التي قدمها عنها , فالخميني قدم تعريف ورد عنه في محاضرة له ضمن حلقات الدرس التي كان يقيمها في النجف الاشرف , إذ يقول ما هي السياسة في اعتقادكم ؟ إنها تعني علاقة الحاكم بالشعب , وعلاقة الحاكم مع سائر الحكومات ؟ إنها تعني دفع المفاسد الموجودة ؟ السياسة تعني كل ذلك , وهذه التعريفات الثلاثة التي ذكرها الخميني خلال تعريفه للسياسة , إذ يشير الأول والثاني منهما إلى الحكم وعلاقته بالآخرين , في حين يشير الثالث إلى موضوع دفع الفساد الذي يمثل الغاية والهدف من ممارسة السياسة في رأي بعضهم , بمعنى آخر يدعو الخميني إلى عدم الاستيلاء على السلطة أو الحفاظ عليها بواسطة الخداع والفساد , ثم أعطى الخميني تعريفا رابعا للسياسة وهو إن السياسة هي عبارة واحدة وهي الهداية نحو الله تعالى , وان ممارسة سياسة تلك الهداية فهي من اختصاص الأنبياء وإتباعهم. وتشير هذه النقطة إلى التواصل والترابط والتشابك بين الدين والسياسة , والمقصود من ذلك هو ( التوأمة بين الدين والسياسة ) , ومن هنا فان أي حكم ديني هو حكم سياسي بالإضافة إلى كونه حكما دينيا , وكل سياسة صحيحة هي جزء من الدين , بل هي الدين نفسه([17]).
وعندما كان الحكام يسعون لعصور طويلة لفصل الدين عن السياسة , إلا إن الخميني يرفض فصل الدين عن السياسة , وقام بتفجير ثورة , وأسس جمهورية إسلامية , أساسها الدين , مؤكدا على فكرة ( سياستنا عين ديننا ) , أي عدم الفصل بين الدين والسياسة([18]).
يرى الإمام الخميني أن شعار فصل الدين عن السياسة من الدعايات الاستعمارية , ويراد من خلاله منع الشعوب الإسلامية من تقرير مصيرها , وكذلك يقول انه عندما رفع شعار فصل الدين عن السياسة وأصبح الفقه في منطق الجهلة هو الاستغراق في الأحكام الفردية والعبادية , ولم يعد يسمح للفقيه أن يخرج عن هذا الإطار ويتدخل في السياسة وشؤون الحكم , ويستمر الخميني في رفضه لفصل الدين والسياسة إذ يقول إن الاستعمار هو الذي أشاع فكرة فصل الدين عن السياسة , ويجب على علماء الإسلام أن لا يتدخلوا في الأمور السياسية والاجتماعية , هذا هو كلام الرافضين للدين , فهل كانت السياسة منفصلة عن الدين في زمن الرسول ( ص ) , وهل انقسم الناس يومئذ إلى مجموعتين العلماء والسياسيين , وان هذا الكلام بحسب ما يرى الخميني هو من صناعة المستعمرين والعملاء السياسيين , والهدف من ورائه عزل الدين عن إدارة شؤون الحياة والمجتمع الإسلامي , وعزل علماء الدين· عن الناس وعن الجهاد في سبيل الحرية والاستقلال ليتمكنوا بعدها من التسلط على المسلمين والإسلام([19]).
هذا ما يخص وجهة نظر الإمام الخميني أما في أوربا أي وجهة النظر الغربية نقول إن الغرب حصل على الحرية والمساواة والعدالة عندما قاموا بفصل الدين عن الدولة بعد ما كانوا يعشون في فترات مظلمة إبان سيطرة الكنسية على الدولة , احتمال الظروف والثورة التي جاء بها الخميني تختلف عن الثورات الغربية مثل الثورة الفرنسية ( 1789) , والثورة الأمريكية ( 1701) , والثورة الصناعية في بريطانية عام ( 1800) , فضلا عن ذلك فان الثورات الإسلامية كانت جديدة على المجتمعات الشرقية وخاصة المجتمع الإيراني , بعد أن كان هذا المجتمع في فترة حكم الشاه مجتمعا يميل كثيرا إلى المجتمعات الأوربية .
المبحث الثالث : الفلسفة السياسية عند الأمام الخميني
لقد كانت الفلسفة السياسية للثورة الإسلامية تقوم على الأفكار والمبادئ والتوجهات السياسية للإمام الخميني , وكذلك يمكن أن نعزو دوام النظام السياسي القائم في إيران حاليا إلى دوام المبادئ السياسية للإمام الخميني. أي أن مقولة هذه الثورة غير معروفة بدون اسم الإمام الخميني في أي مكان من العالم. وهذا ما قاله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الخامنئي·. لذلك يجب إعادة قراءة أفكار الإمام الخميني منذ بداياتها إلى خواتيمها. لذلك تمثل الهيكلية العامة للفلسفة السياسية عند الإمام الخميني , والتي تعد بشكل من الأشكال المحور الجوهري للثورة الإسلامية([20]).
أما بالنسبة إلى الإطار العملي للنظام السياسي في الجمهورية الإسلامي , يرى الإمام الخميني أن هذا النظام يقوم على المبادئ الآتية([21]).
- سيادة القوانين الإلهية .
- تحكم الجماهير في مصيرهم ودورهم الأساس في كافة شؤون البلاد ( من القيادة العليا حتى إدارة القرى ) .
- قيادة الفقيه العادل العالم .
- مبدأ الخدمة وليس الرئاسة والسلطة .
- اعتماد النظام السياسي الإسلامي على أصوت الجماهير واقتراعهم .
- إلغاء كافة ألوان التمييز والاحتكار والطبقية .
- إلغاء كل صنوف الاستبداد والإكراه والدكتاتورية .
- الحرية في أرقى إشكالها الطبيعية .
- إلغاء كل إشكال الصنمية ومحورية الفرد .
10- مراعاة حقوق كافة الناس .
11- إشراف الجماهير في جميع الأطوار السياسية ومساهمتهم الحقيقية في كافة المجالات .
12- التشديد على مبدأ الانتخاب وجعل أصوات الجمهور هي المعيار .
13- العدالة الاجتماعية .
14- استبعاد جميع ألوان الحالة السلطوية والقابلية للسلطة على المستويين الخارجي والداخلي .
15- مكافحة الظلم والجور والاستكبار .
16- التوكيد على معرفة وتعريف الإسلام المحمدي الأصيل ورفض كافة ألوان التحجر والكهنوت والإسلام الأمريكي .
17- الوحدة بين جميع الأجيال والشرائح والفرق , لاسيما بين الحوزة والجامعة
يرى الباحث أن فلسفة النظام السياسي من وجهة نظر الإمام الخميني هي خدمة الشعب من خلال إنشاء نظام ديمقراطي يقوم على العدالة والحرية والمساواة بين أفراد الشعب , وان هذه المفاهيم تقوم على العمل في تكوين قاعدة سياسية تعتمد على الدستور الإسلامي بالإضافة على الاعتماد على الجماهير .
- تأسيس الحكومة الإسلامية عند الأمام الخميني
يقول الإمام الخميني إن الحكومة الإسلامية هي ليست كأي نوع من أنواع الحكومات الموجودة. فهي غير استبدادية ؛ لان الحكومة الاستبدادية يكون فيها رئيس الدولة مستبدا ومتفردا برأيه , ليجعل أرواح الشعب وأمواله يتصرف فيها بحسب هواه , فيقتل من يشاء , وينعم على من يشاء ويهب من يشاء من أموال الشعب وأملاكه. فرسول الله ( ص ) وأمير المؤمنين ( ع ) وكذلك سائر الخلفاء لم يكن لهم هذه الصلاحيات. فالحكومة الإسلامية لا هي استبدادية ولا مطلقة , وإنما هي مشروطة. وبالطبع ليست مشروطة. بالمعنى المتعارف عليه هذه الأيام , إذ يكون وضع القوانين تابعا لآراء الأشخاص والأكثرية. وإنما مشروطة من ناحية أن الحكام يكونون مقيدين في التنفيذ والإدارة بمجموعة من الشروط التي حددها القران الكريم والسنة الشريفة للرسول الإكرام , ومجموعة الشروط هي تلك الإحكام والقوانين الإسلامية التي يجب أن تراعى وتنفذ. ومن هنا فالحكومة الإسلامية هي ( حكومة القانون الإلهي على الناس ) , وان الفرق الأساسي للحكومة الإسلامية مع حكومات ( الملكية المشروطة أي هي وراثية الحكم , والجمهورية هو في كون ممثلي الشعب أو الملك هم الذين يقومون بعملية التشريع في مثل هذه الأنظمة ) , على حين في الحكومة الإسلامية يختص التشريع بالله تعالى. فالشارع المقدس في الإسلام هو السلطة التشريعية الوحيدة. ولا حق لأي احد بوضع القوانين , كما لا يمكن وضع أي قانون غير حكم الشارع موضع التنفيذ لذا ففي الحكومة الإسلامية بدلا من ( مجلس التشريع ) الذي يشكل إحدى السلطات الثلاث في الحكم يكون هناك ( مجلس تخطيط ) يضع الخطط لمختلف الوزارات من خلال أحكام الإسلام , وتحدد كيفية أداء الخدمات العامة في جميع أنحاء البلاد من خلال هذه المخططات. إما القوانين الإسلامية التي جاءت في القران والسنة يتلقاها المسلمون بالقبول والطاعة. وهذا مما يسهل عمل الحكومة , ويجعلها مرتبطة بالشعب , على حين في الحكومات الجمهورية والملكية المشروطة فان غالبية الذين يعتبرون أنفسهم ممثلي أكثرية الشعب يضعون ما يشاؤون ويسمونه ( قانوناً ) ومن ثم يفرضونه على الشعب([22]).
وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران قام أركانها , وتحت اشرف الإمام الخميني نفسه بوضع الدستور الإيراني الذي انشأ السلطات , وبين العلاقات في ما بينها , وحدد اختصاصاتها , والمبادئ والإيديولوجية التي تستند إليها تلك السلطات وترمي إلى تحقيقها , ظهرت الحكومة الإسلامية في إيران. وان نوع الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس جمهوريا بالرغم من انه يحمل اسم الجمهورية , لأنه لو كان الحكم جمهوريا لكان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة , بغض النظر عن صلاحيات رئيس الدولة هذا ضيقة أم وسعة , على حين نجد في إيران إن رئيس الجمهورية الإسلامية فيها ليس هو رئيس الدولة , بل هو مجرد مسؤول كبير جدا ينسق بين السلطات الثلاثة , وهو مسؤول الارتباط بين هذه السلطات , وينتخب من قبل الشعب إعمالا لمبدأ الشورى , ويوافق عليه الإمام تعبيرا عن صلاحياته كرئيس للدولة , فلو انتخبه الشعب ولم يوافق عليه الإمام فانه لا يصبح رئيسا للجمهورية وقبل أن يترشح رئيس الجمهورية للانتخابات يجب أن يوافق على الترشيح مجلس صياغة الدستور. ومجلس صياغة الدستور هذا يعين نصف أعضائه الإمام أو ولي الأمر. وكذلك فان رئيس الجمهورية يعزل من قبل ولي الأمر أو الإمام بعد صدور حكم المحكمة العليا أو بعد رأي مجلس الشورى بعدم كفاءته السياسية , فموافقة الإمام على تعيين رئيس الجمهورية ركن من أركان التعيين , وموافقته على عزل رئيس الجمهورية ركن من أركان العزل , وهذا واضح من نص المادة 110من الدستور الإيراني , الفقرة الرابعة([23]).
وبناءً على ما تقدم فان رئيس الجمهورية يعمل كبقية السلطات تحت إشراف ولي الأمر أو الإمام , ومن ثم هو ليس رئيسا للدولة , فكيف تكون دولة إيران جمهورية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان تاريخ الفقه الدستوري المعاصر , عرف مضامين الحكم الجمهوري , وعرف صوره , انه لا يوجد أي عالم دستوري يمكنه القول إن إيران جمهورية تتبع النظام الجمهوري الذي عرفت معالمه , وتحددت تلك المعالم طوال التاريخ ؛ لان مضمون الدستور الإيراني يختلف عن مضمون أي حكم جمهوري عرفته البشرية على الإطلاق , إذن النظام الجمهوري في إيران هو نوع خاص وفريد من نوعه في التاريخ هذا من حيث المال , وحركة النظام الكلية([24]).
ثم أعطى الإمام الخميني عددا من الفوارق الرئيسية بين ولاية الفقيه المطلقة والحكومة المطلقة وهي على النحو الآتي([25]).
- تأخذ الولاية المطلقة للفقيه شرعيتها من خلال مدى التزامها ورعايتها للإحكام الإلهية , وان جميع السلطات في الحكومة الإسلامية كالسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ملزمة بممارسة مسؤولياتها على وفق المعايير والضوابط الإسلامية , ولا يجوز لها تجاوز هذه المقررات بأي شكل من الإشكال. وان الحاكمية في ظل نظام ولاية الفقيه إنما هي خاضعة لقوانين الله وأوامره .
- وعند الاستناد للآيات والروايات فانه ينبغي أن تتوفر بعض الشرائط والخصائص في الحاكم الإسلامي وان تكون ذات ديمومة طيلة حياته , سيما في فترة تصديه , فإذا افتقر لإحدى تلك الخصائص والشرائط التي اقرها الشارع المقدس , تنحى تلقائيا عن مقام الولاية وسقطت أحكامه عن النفاذ والإجراء , بمعنى أوضح من ذلك ( تسقط ولاية الفقيه فيما إذا كان منطقه غاشما باطلا ) , ( لو كذب الفقيه في قول بطلت ولايته ) , و ( تسقط ولاية الفقيه إذا قارف ذنبا وان كان من الصغائر ) , وذلك لانعدام الوثوق والاعتماد على هكذا فقيه , ولا يؤمن أن يضحي بمصالح الإسلام والمسلمين من اجل تحقيق إطماعه وإغراضه الشخصية.إن إحدى تلك الشرائط هي العدالة التي تتنافر والاستبداد , والطغيان , والأهواء الشخصية , وإضاعة حقوق الأمة .
- هناك حقوق متبادلة لكل من الحاكم والأمة في ظل الحكومة الإسلامية ,على الأمة أن تمتثل أوامر الحاكم بصفته مقيما لإحكام الله , من جانب آخر فانه في الواقع سيكون خادما للأمة من خلال ممارسته لمسؤولياته ووظائفه في الحكومة , وهي تلبية المتطلبات المادية والمعنوية للأمة .
- جميع أبناء الأمة متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون في ظل الحكومة الإسلامية , وليس هنالك من يرى نفسه فوق القانون ( الكل سواسية أمام القانون بما فيهم القائد ) .
- تكون دائرة ولاية الفقيه مؤطرة بمصالح الإسلام والمسلمين , فالقيادة تستشير الأمة في ما تتخذه من قرارات بشان إدارة شؤون المجتمع بعد تدارس كافة وجهات النظر المطروحة ومناقشتها والوقوف على الأضرار والمنافع .
- وبالإضافة إلى أن القيود والحدود التي وضعها الإسلام للحاكم الإسلامي تكفلت بضمان الحد من الفساد والخطأ إلى أدنى درجاته , فانه يخضع لإشراف الأمة , سيما علمائها ومفكريها الإسلاميين.
في نهاية هذه الفوارق بين الحكومة المطلقة والولاية المطلقة. نلاحظ أن الفقيه في إدارته لشؤون البلاد يتمتع بكافة الصلاحيات التي يمارسها أي مبسوط اليد لا انه يفعل ما يشاء وهذا ما صرح به قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني([26]).
وقد كان للحكومة الإسلامية التي أساسها الإمام الخميني في إيران , آفاقا جديدة أمام الفكر السياسي الشيعي الأمامي , الذي ظل متمسكا بالانتظار منذ الغيبة الكبرى للإمام المهدي· ( عج ) , ( الإمام الثاني عشر سنه 329 هجرية ) , ممتنعا عن الانخراط في أية ممارسة أو تجربة سياسية كبيرة , على المستويين النظري والعلمي الواقعي , فلم تظهر مؤلفات أو بحوث تعالج قضايا الحكم والسلطة في زمن الغيبة , كما لم يعرف الواقع أية تجربة سياسية تستمد شرعيتها من الفكر الديني الأمامي. صحيح كانت هناك تجربة قيام الدولة الصفوية في إيران التي انتصرت للمذهب الأمامي وجعلته المذهب الرسمي للدولة , ولكن على الرغم من النجاحات التي حققتها على صعيد نشر المذهب في إيران , وإعطاء مكانة متميزة للعلماء , إلا إن طموح العلماء , أو مراجع الدين لم يصل إلى حد التفكير في المطالبة بتسلم الحكم أو القيادة السياسية. لكن يمكن التأكيد أن الوضع السياسي والاجتماعي والعلمي للفقهاء والمراجع في الدولة الصفوية , قد أهلهم لأداء ادوار مستقبلية مهمة , كانت إيذانا بتنامي قوتهم وتأثيرهم الاجتماعي والسياسي , فأصبحوا شريحة يمكنها أن تحرك الشارع الشيعي وان تزعج السلطات الحاكمة إذا أرادت([27]).
نقول إن علماء الدين أو المراجع كان دور كبير لهم في الحياة السياسية في إيران , ونذكر منهم على سبيل المثال , المرجع الشيعي الميرزا الشيرازي ( ت 1961) , من خلال إعطائه فتوى تسمى (( فتوى التنباك )) ضد الاستعمار البريطاني على إيران هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أقول كذلك كان للمراجع الديني محمد حسين النائيني ( ت 1936) وكان لهذا المرجع الدور الكبير في اندلاع الثورة الدستورية في إيران عام 1905.
ومن ضمن الأفكار السياسية التي جاء بها الإمام الخميني , قيامه بإنشاء المرتكزات التنظيمية والمؤسساتية التي يستند لها النظام السياسي في إيران , والتي تقسم على قسمين .
وأخيرا فان الفكر السياسي الذي أسسه الإمام الخميني كان له أثر كبير في زمانه من خلال استعراضه لوحته المشهدية إبان الحرب الباردة· , رأى مشروعا حضاريا ماديا يقود نظاما عالميا قلقا ومضطربا بثنائية قطبية , وأرجحية أميركية , ويهيمن على العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا من غير ممانعة تذكر, فيؤمن لعشرين بالمائة من مرفهي الأرض السيطرة على من تبقى منهم , والتمتع بعائد جهدهم وثروات أرضهم. ويمكن لنسبة هؤلاء المستلبين المسلوبين أن تتزايد مع تراجع في نسبة أولئك , لتزداد الهوة بين الجهتين اتساعا.وهذا يعني ان نمط التنمية المرفهة لنخبة البشر يدفع نفقاتها الناس المزدادون فقرا وبؤسا وان هذا اللاتوازن يحصل باستمرار. وفي المقابل يرى الخميني مشروعا حضاريا إلهيا يقوم على النقد والتغيير , وإبداع ثقافي شمولي , يبد أن بالنفس , ومداهما البشرية قاطبة , منطلقا من دائرة العالم الإسلامي ودائرة المستضعفين. ومن ثم فان الخميني لم ينقطع عن النداء والدعوة إلى تكريس نظرة جديدة للإنسان , وللحياة , وللعالم. لم يكن الخميني ليفصل بين الصراع الحضاري بمفهومه الإسلامي , والصراع الدولي , والعلاقات الدولية في العالم المعاصر. إلا من خلال رفضه للظلم وسلطة الجور , ونتيجة لذلك تمكن الخميني من تكوين قاعدة حفظ كرامة الإنسان وحريته ولوازمها كافة , وبما يتطابق تطابقا كليا والقوانين الدولية والشرعة العالمية لحقوق الإنسان([28]).
[1] حسن الدجيلي , الفقهاء حكام على الملوك علماء إيران من العهد ألصفوي إلى البهلوي ” 1500- 1979″ , دار الهدى , بيروت , 1986 , ص 373- 374
[2]حسن الدجيلي , الفقهاء حكام على الملوك علماء إيران من العهد ألصفوي إلى البهلوي ” 1500- 1979″, مصدر سابق , ص 374- 375
- اعتمد علي شريعتي فكرة المفكر الإسلامي محمد إقبال حول الحركة و التوحيد الإسلامية كأساس لإحياء الفكر السياسي الديني في العالم الإسلامي , واعتبرها أساسا يمكن أن تقوم عليه نظرية لمدرسة إسلامية في الحكم , إذ يقول إن إقبال ليس بفكرة فقط بل هو يستطيع الإجابة عن جميع تساؤلاتي.
– ينظر محمد السعيد عبد المؤمن , العمامة والعباءة في السياسة والحكم , الزهراء للإعلام العربي , قم , 1995, ص 13- 14
[3] حسن الدجيلي , الفقهاء حكام على الملوك علماء إيران من العهد ألصفوي إلى البهلوي ” 1500- 1979″ , مصدر سابق , 376- 377
[4] عصام السيد عبد الحميد , الخطاب الإعلامي للثورة الإيرانية وأثراه على العلاقات الخارجية , عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية , القاهرة , 2006, ص 39
- تأسست هذه المنظمة رسميا عام 1957وكانت مهمتها الرئيسية مواجهة المعارضين للنظام وقمعهم وضرب الحركة الإسلامية في إيران. كان السافاك مرتبطا ارتباطا وثيقا مع المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلية وتحول تدريجيا إلى منظمة مرعبة , بلغت قسوتها في التعذيب درجة جعلت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية يعلن سنة 1975ان ليس في العالم بلدا أسوا من إيران بالنسبة لحقوق الإنسان . تم حل هذه المنظمة عام 1979 علي يد الشعب الإيراني.
– ينظر محمد شفيعي , الأسس الفكرية للثورة الإسلامية الإيرانية , ترجمة محمد حسن زراقط , ط2, بيروت , 2014, ص 38
[5]عصام السيد عبد الحميد , الخطاب الإعلامي للثورة الإيرانية وأثراه على العلاقات الخارجية , مصدر سابق , ص39- 40
[6] آمال السبكبى ,تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ( 1906- 1979) , سلسلة علم المعرفة ( 250) , الكويت , 2002 , ص 200
[7] عصام السيد عبد الحميد , الخطاب الإعلامي للثورة الإيرانية وأثره على العلاقات الخارجية , مصدر سابق, ص 40
[8] المصدر نفسه , ص 40- 41
[9] وللحصول على رؤية متكاملة حول عودة الخميني إلى إيران
ينظر
- محمد السعيد عبد المؤمن , العمامة والعباءة في السياسة والحكم , مصدر سابق , المقدمة , ص أ- ب
- علي البغدادي , رجال حول الإمام الخميني قدس سره , ط3, المركز الثقافي للدراسات الإسلامية , بغداد , 2010, ص 23
[10] حميد انصاريان , حديث اليقظة نظرة إلى حياة الإمام الخميني العلمية والسياسية من الولادة وحتى العروج , تعريب احمد سامي وهبي , دار الولاء للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , 2002, ص 140- 141
[11] المصدر نفسه , ص 141
[12] عباس نور الدين , الخميني القائد دراسة في الشخصية القيادية , مصدر سابق , ص 294
[13] المصدر نفسه , ص 297- 300
- ولد عام 1905 في مدينة تبريز , وتلقى تعليمه الأولي فيها ثم انتقل إلى النجف ليستكمل دراساته الدينية العليا , ثم عاد بعدها إلى مسقط رأسه وقام بتدريس العلوم الدينية فيها لمدة خمسة عشر عاما , ثم انتقل بدعوة من إيه الله البروجردي إلى قم وقام بالتدريس في حوزتها العلمية. تعتبر سمة التحفظ من أهم سماته فيما يتعلق بالشؤون السياسية. فلم يكن ممن يؤيد تدخل الفقهاء في السلطة وظل ينادي بتفعيل دستور عام 1906, غير إن تسارع الإحداث قد جعله يواكب التيار العام الرافض لسلطة الشاه. وبعد تشكيل جمهورية الشعب بمباركة منه. ونظرا لرفضه هيمنة الفقهاء على السلطة ومطالبتهم بالعودة إلى المساجد , مارس التيار الديني الحاكم ضغوطا على إيه الله شريعتمداري وتم نفيه خارج مدنية تبريز التي تركز مؤيدوه فيها ووضع رهن الإقامة الجبرية في قم .
– ينظر روز شمار , اقرب اسلامي فقها حكومات , جلد أول , تهران , 1378, ص386
[14] مجموعة من المؤلفين , النهضة العلمية والثقافية في رؤية الإمام الخميني , مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي , بيروت , 2011, ص 29- 31
[15] المصدر نفسه , ص 84
[16] إسماعيل منصور اللاريجاني , في رحاب الفكر ألعرفاني عند الإمام الخميني , ترجمة نوال خليل , دار الولاء , بيروت , 2010, ص 35- 41
[17] كاظم قاضي زادة وآخرون, فقه الاجتماع السياسي , تعريب مجوعة مترجمين , سلسلة الدراسات الحضارية , موسوعة الفكر السياسي عند الإمام الخميني , مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي , بيروت , 2010, ص 33- 42
[18] محمد صادق كوشكى , تأملات في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره , تعريب مركز نون للتأليف والترجمة , جمعية المعارف الإسلامية الثقافية , بيروت , 2011, ص 9
- طرح قضية فصل السياسة عن علماء الدين , ليس جديدا. فلقد طرحت هذه القضية في عصر بني أمية واشتدت في عصر بين العباس , وفي هذه العهود الأخيرة حيث انتشر نفوذ الأجانب في البلدان المختلفة , تم تصعيد هذه القضية , حتى إن بعض الأشخاص المتدينين وعلماء الدين الملتزمين صدقوا انه إذا دخل رجل دين القضايا السياسية فانه سيتلقى ضربة.
– ينظر محسن زين العابدين , الحكومة الإسلامية والولاية الفقيه في رؤية الإمام الخميني , مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر , قم , 1432, ص 41
[19] وللمزيد عن رفض الخميني فصل الدين عن الدولة
- ينظر الخميني , الكلمات القصار, ترجمة مركز نون للتأليف والترجمة ,جمعة المعارف الإسلامية الثقافية , بيروت , 2011, ص76- 80
- غلام رضا اكبري , قصص من نور (( قصص هادفة من حياة الإمام الخميني قدس سره )) , تعريب , دار الرسول الأكرم ( ص ) , ط2, دار الحجة البيضاء , 2008, ص 132- 133
- ولد عام 1939 في مدينة مشهد ودرس آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول والفلسفة , وفي عام 1958 ذهب إلى مدينة قم ودخل حوزتها العلمية لإكمال دراسته الدينية العالية في الفقه والأصول من خلال حضوره دروس كبار الأساتذة فيها من قبيل المرحوم أية الله العظمى البروجردي والسيد الخميني والحاج اقا مرتضى الحائري والعلامة الطباطبائي.انطلق كفاحه السياسي المناهض لنظام الشاه من خلال دوره في حركة ” نواب صفوي ” وأدت نشاطاته العلمية وحلقات الدروس التي كان يعقدها إلى اعتقاله من قبل جهاز السافاك في نظام الشاه في الفترات التي امتدت من عام 1970وحتى عام 1974, إما أهم المناصب التي تولاها بعد نجاح الثورة هي : نائب وزير الدفاع عام 1979, قائد قوات حرس الثورة الإسلامية عام 1979, إمام جمعة طهران عام 1979, ممثل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى عام 1980, ممثل مدينة طهران في مجلس الشورى الإسلامي عام 1979, أصبح في عام 1981 ثالث رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران , وأعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية ( 1985- 1989) , رئيس مجلس سياسات البلاد العليا عام 1987, المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بعد وفاة الخميني عام 1989 .
– ينظر محمد قوجاني , جمهوري مقدس , جاب أول , تهرأن , 1381, ص 131
[20] مجموعة من المؤلفين ,الإمام الخميني وتجديد الفقه السياسي دراسات في بنية الفكر السياسي الإسلامي , ج2, مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي , بيروت , 2008, ص 43- 44
[21] المصدر نفسه , ص 44- 45
[22] الخميني , الحكومة الإسلامية , ترجمة مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره , دار الولاء للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , 2011, ص 62- 65
[23] احمد حسين يعقوب , الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران القصة الكاملة , الغدير للدراسات والنشر , بيروت , 2000, ص 179- 180
[24] المصدر نفسه , ص 180
[25] مجموعة من الباحثين , دراسات في الفكر السياسي عند الخميني , ترجمة عبد الرحيم الحمراني , الغدير للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت , 2002, ص 73- 76
[26]مجموعة من الباحثين , دراسات في الفكر السياسي عند الخميني , مصدر سابق , ص 77- 78
- ولد قبل إلف ومائة واثنتين وأربعين , ولا يزال حيا , ويعيش إلى ألان على وجه الأرض , يأكل ويشرب , ويعبد الله وينتظر الأمر له بالخروج والظهور , غائب عن الإبصار , وقد يراه الناس ولا يعرفونه , ويحضر في كل مكان أراد , وله اشرف على العالم. واحاحة بالعباد والبلاد , يعلم بإذن الله كل ما يجري في العالم , وسيظهر في يوم معلوم عند الله مجهول عندنا , وتحدث علائم حتمية قبل ظهوره , إذا ظهر يحكم على الكرة الأرضية جميعها , وينزل عيس بن مريم ( ع ) من السماء ويصلي خلفه , تخضع له جميع الدول والشعوب في العالم , وتنقاد له كافة الأديان والملل , يأتي بإسلام الصحيح الذي جاء به محمد ( ص ) , اسمه ونسبه , هو الإمام محمد المهدي المنتظر ابن الإمام الحسن العسكري , ابن الإمام علي الهادي , ابن الإمام محمد الجواد , ابن الإمام علي الرضا , ابن الإمام موسى الكاظم , ابن الإمام جعفر الصادق , ابن الإمام محمد الباقر , ابن الإمام زين العابدين , ابن الإمام الحسين الشهيد , ابن الإمام علي بن أبي طالب , وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين , وإما أمه فهي السيدة الجليلة السعيدة المعظمة المكرمة المسماة في ( نرجس ) أو ريحانة أو سوسن , وأخيرا للإمام المهدي أسماء متعددة وردت في مناسبات عديدة وسوف نذكر بعض الأسماء وهي أولا المهدي : سمي بالمهدي , لان الله تعالى يهديه ويرشده إلى الأمور الخفية التي لا يطلع عليها احد , ثانيا : القائم يسمى بالقائم لأنه يقوم بأعظم قيام عرفه التاريخ البشري , ويقوم بالحق الذي لا يشوبه باطل أبدا , ثالثا : المنتظر يسمى بالمنتظر , لان الناس كانوا ولا يزلون ينتظرون ظهوره وخروجه , لتطهير الكرة الأرضية من كل ظلم وجور , رابعا : صاحب الأمر يسمى بصاحب الأمر , لأنه الإمام الحق الذي فرض الله طاعته على العباد , خامسا : الحجة ويسمى بالحجة , لأنه حجة الله على العالمين , وبه يحتج الله تعالى على خلقه .
– ينظر محمد كاظم القز ويني , الإمام المهدي من المهد إلى الظهور , مؤسسة الرافد للمطبوعات , بغداد , 2011, ص 19- 29
[27] مجموعة من الباحثين , الإمام الخميني وتجديد الفقه السياسي أضواء على نظرية ولاية الفقيه , ج 1, مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي , بيروت , 2008, ص 237- 238
- تحول الفرح الذي صاحب هزيمة ألمانيا واليابان في عام 1945 إلى رعب عندما أصبح الاتحاد السوفياتي عدوا لأمريكا فيما سوف يكون حربا باردة لمدة 40 عاما , بعد إن كان حليفها خلال الحرب. وقد وضعت الحرب الباردة ضغوطات كبيرة على المجتمع الأمريكي وحكومته. فقد تطلب ذلك من الدولة إن تعيد بعض الأولويات والافتراضات , وهذه عملية ليس من السهل انجازها. فالأمريكيون معتادون على النظر إلى أمور السياسة الخارجية باللونين الأبيض والأسود: فأية دولة هي إما صديقة أو عدوة , وأية سياسة هي إما جيدة أو سيئة , وأية حرب يمكن إن تكسب أو تخسر. وان جوهر السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحرب الباردة , وهي سياسة معروفة باسم سياسة الاحتواء , كان الهدف من هذه السياسة ضمان عدم توسع الاتحاد السوفياتي لأبعد من أوروبا الشرقية , فعندما تقوم القوى الشيوعية بالتقدم للإمام , تقوم الولايات المتحدة بالرد بالاتجاه المعاكس , ولكن ضمن قوة مناسبة وموزونة. وقد سمحت الحرب للأمريكيين بإظهار سخائهم , وذلك كما ظهر في مشروع مارشال , ولكنها أدت كذلك إلى وضع ضغوطات شديدة في الجانب السياسي. ففي أوج الحرب , كان على الرئيس لا يحظى بشعبية كبيرة إن يقيل جنرالا ذا شعبية كبيرة وذلك من اجل إعادة تأكيد السيطرة المدنية على العسكرية. وكان على المحكمة العليا إن تعلن بان تصرفا من قبل الرئيس والذي اتخذه وفقا لسلطاته وقت الحرببأنه غير دستوري , وهو أمر لم يحدث منذ الحرب الأهلية. وقد أدى الجانب المظلم من الديمقراطية , وهو وجه الغوغاء , إلى وجود قصير ولكنه مخيف على شكل ما يسمى بالماكارثية. ولكن الدول تجاوزت الحرب الباردة , ونتيجة لذلك فقد استطاعت بالفعل تقوية عدد من المبادئ الديمقراطية .
– ينظر ميلقن أي . أوروفسكي , قراءات أساسية في الديمقراطية الأمريكية , ترجمة شحدة فارع , دار البشير , عمان , 1998, ص 467
[28] غلام علي حداد عادل وآخرون , قراءات في السيرة والمسيرة , تعريب مجموعة مترجمين , سلسلة الدراسات الحضارية موسوعة الفكر السياسي عند الإمام الخميني , مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي , بيروت , 2010, ص 267- 281