المستخلص:
إن دور تطور الصناعة والتصنيع المحلي في صناعة السياسات الاقتصادية في العراق يمثل أداة أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على الخارج. ومع ذلك، فإن ذلك يتطلب تبني سياسات اقتصادية تدعم الابتكار، وتطوير البنية التحتية، وتدريب العمالة المحلية، وتحقيق الاستقرار الأمني.
المقدمــة:
يعتبر التصنيع المحلي أحد الأبعاد الأساسية في بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز استقراره، خاصة في الدول النامية مثل العراق. دور التصنيع المحلي في صناعة السياسات الاقتصادية في العراق يتجسد في مجموعة من الجوانب المهمة التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي والتنمية المستدامة.
أولاً: أهمية التصنيع في الاقتصاد العراقي:
يعد التصنيع واحد من الأعمدة الأساسية في أي اقتصاد نام أو متقدم، كما ان له أهمية كبيرة في تدعيم الاستقرار والنمو الاقتصادي، ففي العراق، الذي يعتمد اقتصاده بشكل أساسي على القطاع النفطي، فإن التصنيع يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق التنوع الاقتصادي والحد من التبعية لقطاع واحد وهو الايراد النفطي، ومن هنا تبرز بعض الجوانب التي تميز أهمية التصنيع في الاقتصاد العراقي وهي:
- تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط الخام: ان التحدي الكبير الذي يواجه الاقتصاد العراقي هو الاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيس للإيرادات، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، وان التصنيع المحلي يسهم في تقليل هذا الاعتماد على قطاع النفط من خلال تطوير صناعات أخرى مثل الصناعات الغذائية، البناء، الأدوية، والمنسوجات وغيرها، وهذا الامر يدعم الاستقرار الاقتصادي ويساهم في تقوية قدرات الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية أو تراجع أسعار النفط.
- خلق فرص عمل والتحسين المعيشي: تعد البطالة من أبرز التحديات الاقتصادية، والتصنيع المحلي يساهم في خلق فرص عمل جديدة في مجالات مختلفة (المصانع، الخدمات اللوجستية، غيرها)، وهذا أمر ضروري لتحسين مستوى المعيشة وتقليل معدلات الفقر، فضلا عن دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورا محوريا في تحقيق هذا الهدف، حيث يمكن أن توفر العديد من الوظائف للأفراد داخل المجتمعات المحلية.
- دعم الابتكار والابداع والتطوير التكنولوجي: ان التصنيع والانتاج يتطلب استثمارات في التكنولوجيا والمعرفة المتقدمة، ويمكن الاستفادة من هذا التحفيز لتعزيز التكنولوجيا المحلية، مما يمكن أن يرفع من مستوى الإنتاجية وجودة المنتجات، فضلا عن ان تقدم الصناعات المحلية، يمكن أن ينشأ بيئة تشجع على البحث والتطوير، وهو ما يعود بالفائدة على الصناعات العراقية في المستقبل.
- الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيرادات: ان الاستيراد يضع ضغطا على الميزانية العراقية وتزيد من العجز التجاري للدولة، والتصنيع المحلي يساهم في تقليل حجم الاستيرادات من خلال إنتاج السلع محليا؛ وهذا الامر لا يساعد فقط في تحسين التوازن التجاري، بل يساهم في تقليل الاعتماد على الدول الأجنبية ويعزز الاستقلال الاقتصادي، كما ان تطوير الصناعات المحلية يعزز من القدرة التنافسية للمنتجات العراقية في الأسواق العالمية، وتصدير المنتجات إلى أسواق جديدة، مما يزيد من الإيرادات ويخفف من العجز في ميزان المدفوعات.
- دعم القطاع الخاص وتحسين البنية التحتية الاقتصادية والعدالة: ان القطاع الخاص يمكن أن يحقق نموا كبيرا من خلال استثمارات في التصنيع وبدعم الحكومة لهذه الصناعات، كما يمكن للقطاع الخاص أن يتحول إلى محرك رئيس للنمو الاقتصادي، كما يشجع التصنيع المحلي على استقطاب استثمارات داخلية وخارجية، اذ يعتبر المستثمرون أن القطاعات التصنيعية هي مجالات ذات إمكانيات نمو كبيرة، أيضا التصنيع يتطلب تطوير البنية التحتية، مثل الطرق، والكهرباء، والماء، والاتصالات، ومن ثم، فإن تطوير هذا القطاع يساهم في تحسين وتوسيع البنية التحتية التي تفيد الاقتصاد الوطني بشكل عام، كما أن هذا يخلق فرصا لتحسين جودة الخدمات التي تقدم للمواطنين، سواء في المدن أو في المناطق الريفية، ويمكن أن يساهم التصنيع في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع فرص العمل في جميع أنحاء البلاد، المشاريع الصناعية يمكن أن تنشأ في المناطق الأقل تطورا اقتصاديا، مما يساعد في تحسين التوازن بين المناطق المختلفة ويقلل من الفجوة الاقتصادية بين الأقاليم.
من خلال ذلك يمكن ان يمنح العراق قدرة أكبر على مواجهة التحديات الاقتصادية والأزمات الدولية، اذ يصبح أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي دون الحاجة إلى الاعتماد الكبير على المساعدات أو القروض الخارجية، وسيتم تعزيز السيادة الاقتصادية ويعطي الحكومة العراقية القدرة على اتخاذ قرارات اقتصادية أكثر استقلالية.
- الاستدامة البيئية والتنمية المستدامة: يمكن أن يساهم التصنيع المحلي في العراق في تطوير صناعات خضراء وصديقة للبيئة، خاصة في القطاعات مثل الطاقة المتجددة وغيرها، وسيعمل ذلك على تعزيز التنمية المستدامة ويحسن الصورة البيئية للعراق على المستوى الدولي.
ثانيا: التحديات التي تواجه التصنيع المحلي في العراق:
تلعب الصناعة دورا بالغ الأهمية في تشكيل الاقتصادات، وتشجيع الابتكار، وتلبية احتياجات المجتمع من الصناعة، باعتبارها أحد الأنشطة الاقتصادية الأساسية، تشمل إنتاج وتجهيز السلع والخدمات؛ وتُصنف الصناعات بشكل عام بناءً على العمليات التي تتضمنها، وتحديدا، هناك قطاعات صناعية أولية وثانوية وذات مستوى ثالث؛ يركز القطاع الأولي على استخراج الموارد الطبيعية، بينما تُحوّل القطاعات الثانوية المواد الخام إلى منتجات نهائية، أما القطاعات الثالثة فتتعلق بخدمات التجزئة والترفيه والخدمات المالية.
-
الصناعات الموجهة نحو الإنتاج:
تركز الصناعات على إنتاج السلع وتقديم الخدمات وتشمل هذه الأنشطة التعدين والتصنيع وتقديم الخدمات للعملاء، ولكل صناعة أهداف محددة وتستخدم مواردها لتحقيقها بفعالية وكفاءه، وتضمن عملية الإنتاج حصول الناس على المنتجات التي يحتاجونها في حياتهم اليومية، وتعمل هذه الصناعات على تحسين الكفاءة وتلبية الطلب المتزايد، وتستثمر الشركات في أدوات وأساليب أفضل لزيادة الإنتاج، يضمن هذا التحسين المستمر توفر المنتجات لعدد أكبر من الناس مع الحفاظ على انخفاض التكاليف.
-
الصناعات المعتمدة على الموارد:
تعتمد الصناعات على الموارد الطبيعية والبشرية والمالية، وتستخدم هذه الموارد لإنتاج المنتجات وتشغيل عملياتها، فعلى سبيل المثال، تحتاج المصانع إلى مواد خام وعمال مهرة وأموال لتعمل بكفاءة، ويضمن توازن الموارد سلاسة العمليات، كما تساعد الإدارة الفعّالة للموارد الصناعات على تقليل الهدر وتعزيز الإنتاجية، وغالبا ما تحقق القطاعات التي تستخدم الموارد بحكمة نتائج أفضل، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والبيئة؛ أيضا تتغير الصناعات باستمرار بفضل التكنولوجيا الجديدة والاتجاهات العالمية، كما تتبنى الشركات أدوات واستراتيجيات جديدة للحفاظ على قدرتها التنافسية، وتُنتج هذه التغييرات منتجات وخدمات أفضل للمستهلكين.
-
العمليات الصناعية المترابطة:
تعتمد الصناعات على سلسلة من العمليات المترابطة، على سبيل المثال، يتم تحويل المواد الخام إلى منتجات، تُوزع بعد ذلك على العملاء، وتعزز هذه العمليات المترابطة العمل الجماعي والكفاءة، وتعمل القطاعات التي تعمل على تحسّين عملياتها تُقدّم منتجات أفضل في وقت أسرع، مُلبّيةً بذلك توقعات عملائها.
-
الصناعات كمحرّكات اقتصادية:
تلعب الصناعات دورا هاما في الاقتصاد، فهي تُوفّر فرص عمل، وتُعزّز الناتج المحلي الإجمالي، وتُشجّع على الابتكار والتطور وتوفير فرض العمل وتقليل البطالة، ومن خلال إنتاج المنتجات والخدمات، تُحسّن الصناعات مستويات المعيشة وتُساهم في التقدم الوطني، اذ ان الصناعات القوية تدعم المجتمعات من خلال توليد الدخل والفرص، ويُساعد نجاحها الدول على النمو، مما يجعلها حيويةً للازدهار الاقتصادي والتنمية.
-
أنواع الصناعات:
تُصنّف الصناعات بناءً على أنشطتها ومساهماتها في الاقتصاد ومن أهمها:
-
أ- الصناعات الأولية:
تُركّز الصناعات الأولية على استخراج الموارد الطبيعية وتشمل هذه الصناعات الزراعة وصيد الأسماك والغابات والتعدين، وتُشكّل هذه الصناعات قاعدة الاقتصاد من خلال توفير المواد الخام الأساسية، فبدون الصناعات الأولية، لا يُمكن للقطاعات الأخرى إنتاج سلع أو خدمات نهائية، اذ تعتمد هذه الصناعات على الطبيعة كمصدر لمواردها، ويستخدم العاملون في هذا القطاع أدوات وتقنيات لجمع الموارد بشكل مستدام، كما تضمن الصناعات الأولية إمدادا ثابتا بالمواد الخام، مثل الأغذية والأخشاب والمعادن وغيرها، مما يدعم نمو الصناعات الأخرى والاقتصاد.
-
ب- الصناعات الثانوية:
تحوّل الصناعات الثانوية المواد الخام إلى سلع تامة الصنع أو شبه تامة، ومن الأمثلة على ذلك البناء، وصناعة السيارات، وإنتاج المنسوجات، وهي تُسهم في سد الفجوة بين الموارد الخام والمنتجات الجاهزة للاستخدام من قِبل المستهلكين، كما يستخدم هذا القطاع الآلات والعمالة الماهرة لإضافة قيمة إلى المواد الخام، مثل إنتاج سلع السيارات والملابس والمباني وغيرها، وتلعب الصناعات الثانوية دورا حاسما في التنمية الصناعية والاقتصادية، مما يُحسّن حياة الناس من خلال توفير المنتجات الأساسية.
-
ت- الصناعات ذات المستوى الثالث:
تركز الصناعات الثلاثية على تقديم الخدمات بدلا من السلع، وتُعد الخدمات المصرفية والرعاية الصحية والتعليم وتجارة التجزئة أمثلة رئيسية على هذا القطاع؛ كما تخدم هذه الصناعات المستهلكين بشكل مباشر، وتلبي احتياجاتهم اليومية، وتُحسّن جودة حياتهم، من خلال توفير الخبرة والبنية التحتية، كما يُحفّز قطاع الخدمات الشركات الأخرى ويُساعد المهنيون على انجاز أعمالهم بضوره مبسطة وسهلة، وعلى الرغم من أهميته الصناعة في الاقتصاد العراقي، الا انه يواجه عددا من التحديات مثل:
- الفساد المالي والإداري الذي يعوق تنفيذ السياسات الاقتصادية بفعالية.
- عدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق.
- ضعف البنية التحتية، خصوصا في مجال الطاقة والنقل.
- محدودية الاستثمار في البحث والتطوير مقارنة ببعض البلدان المتقدمة.
- القوانين الاقتصادية غير المواتية أو المعقدة التي قد تثني المستثمرين.
- التبعية الاقتصادية
- الإرادة الوطنية الضعيفة


