الدولة العراقية باقية، لا تنهار، بغض النظر عن التحديات، لكن الأنظمة مهددة بالانهيار بسبب سوء سلوكها وعدم درايتها في إدارة الدولة وجهلها في إتقان الحكم الرشيد
_ ما نحتاجه في العراق هو إتقان بناء الدولة على أسس رصينة، لكن ما حدث منذ انهيار الدكتاتورية في ٢٠٠٣ هو تأسيس إقطاعيات تعتاش على رعاية المصالح الخاصة والفئوية وقطاع خاص زبائني كواجهات لجماعات سياسية منتفعة مما حجّم جذب الاستثمارات الحقيقية والعملة الصعبة، وهذا الأسلوب من الحكم سيقود للانهيار الحتمي لانعدام العدالة الاجتماعية والديمومة الاقتصادية وتفشي الفساد السياسي والمالي والمجتمعي
_ العراق بحاجة إلى طبقة سياسية محترفة وصريحة تنظر إلى مصلحة البلاد والأجيال بعيداً عن الفئوية والمصالح الضيقة وتجهيل المجتمع بالشعارات والمغالطات العاطفية. طبقة ذات مسؤولية أخلاقية تعمل على إصلاح الاقتصاد بصورة علمية وبمعايير عالمية وبمعونة فريق اقتصادي حقيقي مختص وعارف بمتغيرات العالم
_ لايوجد اصلاح اقتصادي سهل وغير مؤلم وسريع، كما أن الحكم الرصين لا يحتمل ترف التصريحات والتسويف والوعود الكاذبة وانعدام الصراحة. والعقد الاجتماعي لا يمكن تحقيق متطلباته بدون مكاشفة واقعية بين الحاكم والمحكوم
_ نسبة العجز في الموازنات الاتحادية بلغ ٤٠٪ وفي حال استمر الحال دون إصلاح جذري للنظام الاقتصادي في العراق وإذا ما مُسّت الاحتياطيات النقدية في ظل تقلب أسعار النفط أو انهيارها، ستنهار قيمة العملة المحلية وسيتعذر على الدولة دفع رواتب الموظف العمومي خلال عامين في أقصى حد
_ ملف الكهرباء محلي سياسي ولا صحة لأي تدخلات خارجية، وسبب تعثر إصلاحه وعدم خصخصته بصورة رصينة هو تشبث المصالح السياسية بالسياقات الاشتراكية الموروثة في ظل ديمقراطية فوضوية غير منضبطة وهذه قادت إلى تفشي الفساد في تضخيم تقديرات العقود الحكومية والمحاصصة فيها وفي الوقود المخصص لهذا القطاع
_ أزمة الكهرباء بدأت منذ تحرير الكويت عام ١٩٩١ عندما قصف التحالف الدولي البنى التحتية وما تبعه من حصار أثّر على تطوير الشبكة الكهربائية وقطاع النفط، وعندما تغيير النظام في عام ٢٠٠٣ كانت طاقة الشبكة الوطنية شحيحة التجهيز وبحدود ٣٣٠٠ ميگا واط، لنسمة سكانية بحدود ٢٣ مليون عراقي
_ خلال ال ٢١ سنة السابقة تضاعفت الطاقة التصميمية للشبكة الوطنية لعشرة أضعاف وتجاوزت ٣٠ الف ميگا واط، لكن احتلال داعش دمر خمسة آلاف م/و و أكثر من ٢٥٪ من البنى التحتية لشبكات النقل والتوزيع لثلث جغرافية العراق
_ خلال فترة وزارتنا في حكومة السيد عبد المهدي تم إضافة ٣٥٠٠ م/و على الشبكة الوطنية حتى وصل إنتاج الشبكة ١٩٣٠٠ م/و، وقد سلمت وزارتنا مشاريع إضافية قيد التنفيذ والإنجاز للحكومة اللاحقة اكثر من ٢٥٠٠ م/و كانت جاهزة للافتتاح خلال ستة أشهر، كما تم التفاوض مع حكومة ترامب حينها بإدامة منح الاستثناءات في استيراد الغاز والكهرباء من الجانب الإيراني وتجنب العقوبات
_ قيمة فاتورة الدعم الحكومي في الأسواق العالمية لقطاع الطاقة بشقيه (كهرباء ونفط) تجاوزت ٣٠ مليار دولار سنوياً، منها ٢٠ مليار دولار سنوياً لقطاع الكهرباء. هذا الاستنزاف لخزينة وموارد الدولة لا يمكن أن يستمر بدون إصلاح قانوني لهيكلية القطاع وإصلاح اقتصادي للموديل التجاري وتعديل التعرفة وأتمتة الجباية وفرضها بالقانون والغاء خطوط الاستثناء ورفع التجاوزات وتعديل النظام الضريبي لاسترجاع الكلف وضمان هامش ربح مجزي ليكون القطاع جاذباً للاستثمارات ومُهيئاً للخصخصة بمعايير عالمية
_ انعدام العدالة في التوزيع أسبابه فنية وسياسية بسبب حجم التجاوزات على الشبكة الوطنية بما يتجاوز مليون وحدة غير مسجلة، فضلاً عن تجاوزات المسجلين الذين يصل عددهم إلى خمسة ملايين وحدة، في حين أن انعدام العدالة في الاستهلاك سببه تجاري بسبب حجم الدعم الذي جعل التعرفة بفئاتها الأولى أقل من ١٠٪ من قيمة الطاقة المباعة وهذا ما حدد مستويات الجباية إلى أقل من ملياري دولار في حين يجب أن تتجاوز ٢٠ مليار دولار سنوياً ليكون القطاع رابحاً
_ الكهرباء سلعة، كذلك المشتقات النفطية وغيرها من السلع التجارية، وليست خدمات مجانيّة، والمستفيد منها يُسمى مُستهلك، ولا شأن لهذه السلع التجارية (واجبة السداد) بحقوق الإنسان وعناوين المواطنة. إذ لا يُمكن توفير هذه السلع دون دفع مستحقاتها كاملةً على أن يكون دعمها محدوداً للمسجلين بشبكات الحماية الاجتماعية حصراً وبمبالغ محددة تخصص من وزارة المالية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية
_ ارتباط الشركات العامة كتشكيلات بهيكل الوزارة أسس إلى التضارب في المصالح بين الجهات التنظيمية (الوزارات) والجهات الخاضعة للتنظيم (الشركات) وتسييس القطاعات وتكريس الفساد وسوء الإدارة واستنزاف الدعم الحكومي من الخزينة الاتحادية دون استرجاع الكلف وبالتالي تحول القطاعات التشغيلية إلى خاسرة وغير جاذبة للاستثمارات الحقيقية
_ كلفة إعمار العراق كاملاً بحاجة إلى أكثر من ترليون وخمسمائة مليار دولار وهذا المبلغ لا يُمكن توفيره من واردات النفط بل من جذب الاستثمارات والعملة الصعبة، وبالتالي الحاجة إلى توفير بيئة آمنة وضامنة للاستثمارات على أسس تنافسية تجارية بعيداً عن التدخلات السياسية والجهات المسلحة فضلاً عن توفير الحوافز للمستثمرين بما ينافس المعروض في دول المنطقة والعالم
_مهمة الإصلاح الاقتصادي الجذري بما ينسجم مع الدستور العراقي تحتاج إلى فترة عشر سنوات بجهد تراكمي تكاملي غير منقطع وبدون أي تدخلات فئوية، وهي مسؤولية تتجاوز صلاحيات الوزير والوزارة بل بصلاحيات الكابينة الوزارية شرط أن تكون الحكومة مدعومة سياسياً مع حملة تثقيف إعلامية كبرى للشعب بخطاب صريح وواضح لأن المسؤولية تضامنية بين الجميع.