Search
Close this search box.

جهاد علي بن أبي طالب عليه السلام الأسطوري في معارك الدفاع والتأسيس

جهاد علي بن أبي طالب عليه السلام الأسطوري في معارك الدفاع والتأسيس
فرجعَ عليٌّ عليه السلام منتصراً قتلَ أبطالهم كالحارث ومرحب، وقلع باب خيبر الذي لا يستطيع فتحه وغلقه أربعون رجلاً...

لم يختلفُ اثنان على شجاعة علي بن أبي طالب وبسالته ومروءتِه في الدفاع عن الإسلام والمسلمين حتى عُدَّ أمراً متواتراً فقد ملأت أخبار شجاعته أسفارَ المؤرخين والمفسرين وكتبَ الحديث حتى صارت مثلاً فاقَ السابقين وأتعبَ اللاحقين فلم ينجُ من سيفه إلا اثنان: ابنُ العاصِ وابنُ أرطأة .

ففي معركة بدر انتصر المسلمون على المشركين الذين كانوا أكثر عدةً وعدداً، فَقُتِلَ منهم سبعينَ نصفهم بسيفِ علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان نصراً أكسبَ المسلمين عزاً وهيبةً ملأت أفاق الجزيرة العربية، مما جعل القبائل تتقرب إلى النبي “صلى الله عليه وآله وسلم ” إمَّا لطلب الصلح وإمَّا للدخول في الإسلام، فكان لعلي عليه السلام النصيب الأكبر في ذلك الإنجاز.

وفي السنةِ الثالثةِ للهجرة أرادَ مشركو قريش أَخذَ ثأرهم فحدثت معركة أُحد، فانتصر المسلمون في بدء المعركة إلا أن مخالفة أغلب الرماة لأوامر النبي قلبت الانتصار هزيمةً فنزلوا عن مواقعهم التي وضعهم الرسول فيها طمعاً في الغنائم ، فانكشف ظهرُ المسلمين، فالتفَ المشركون عليهم بقيادة خالد بن الوليد فانهزم المسلمون وأستشهد خيارهم كحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير رضوان الله عليهما وغيرهما من الأنصار والمهاجرين، وفيها تجلت مواساة الإمام علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأجلى صورها، فأحاط المشركون برسول الله من كلِّ جانب وعلي يذود عنه من كلِّ جانبٍ، حتى قال جبرائيل للنبي: يا محمد هذه هي المواساة، فقال الرسول : وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه ؟ فقال جبرائيل وأنا منكما . حتى سُمِعَ هاتفٌ بين السماء والأرض يقول: لا سيفَ إلَّا ذو الفقار … ولا فتى إلَّا علي.

وأمَّا بقية المسلمين فقد فرّوا، حتى ذهب بعضهم بها عريضةً، وراح بعضهم ينزو كأنه أروى وبعضهم رجع عندما انتهت المعركة.

تقول فاطمة الزهراء عليها السلام في جهاد علي عليه السلام: (( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها الله تبارك وتعالى بأبي محمد، بعد اللتيا والتي، وبعد أن منى بهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها منها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مقدور إلى ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، وأنتم في رفاهية في العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال وتفرون عند القتال )) . فلولا علي بن أبي طالب الذي تعجب جبرائيل من ثباته، والقلة القليلة الذين ثبتوا من المسلمين لَقُتِلَ رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم ” وانتهى الإسلام في مهده، فكان علي هو الحامي عن حياض الإسلام والمحافظ على بيضة الإسلام.

وفي السنة الرابعة للهجرة عزم المشركون من قريش وحلفائهم من العرب واليهود بقيادة أبي سفيان على استئصال المسلمين والقضاء عليهم فحاصروا المدينة المنورة، فعبر عمرو بن عبد ودِّ العامري الخندق وأخذ يرتجز و يصرخ ويسخرُ من المسلمين بعد أن طلب البراز ، فلم يبرز له إلا عليُّ بن أبي طالب عليه السلام، فناجزه مناجزة أسطوريّة حتى قتله فعند ذلك قال الرسول محمد “صلى الله عليه وآله “: ((مبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يومَ الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)) .وقال أيضاً (( ضربة علي يومَ الخندق أفضل من عبادة الثقلين)) .فلو لم يقتل عليٌّ عمرو بن عبد ود لما كان للإسلام والمسلمين من باقية، فانهزم الأحزاب وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال بعلي عليه السلام.

وبعد أن نكث اليهود بعهودهم واتفاقاتهم وغدروا بالمسلمين عزم النبي على القضاء عليهم وتطهير الأرض من دنسهم فبدأ بقتالهم والقضاء عليهم حتى وصل إلى حصون خيبر، فدفع النبي الراية إلى ثلاثة من الصحابة فرجعوا مهزومين يُجَبِّنُ بعضهم بعضاً ويلوم بعضهم بعضا، فخاب أملُ النبي بهم ، فقال: (( ما بالُ أقوام يرجعون منهزمين يجبنون أصحابهم، أما واللهِ لأعطينَّ الرايةَ غداً رجلاً يحبُّهُ الله ورسولُهُ يفتحُ الله عليه كرار ليس فرار)) ، فقال عمرُ: فما أحببتُ الإمارةَ إلا ذلك اليوم !! وكان عليٌّ أرمد لا يبصرُ موضعَ قدمِهِ، فلما أصبحوا أرسلَ النبي “صلى الله عليه وآله ” إلى عليٍّ عليه السلام فتفلَ في عينيهِ فبرأَ من ساعته، ودفع الراية إليه وأمره أن يمضي بها.

فرجعَ عليٌّ عليه السلام منتصراً قتلَ أبطالهم كالحارث ومرحب، وقلع باب خيبر الذي لا يستطيع فتحه وغلقه أربعون رجلاً . يقولُ ابن أبي الحديد في ذلك: يا قالعَ البابِ الذي عن هزِّهِ ….. عجزت أكفٌ أربعون وأربعُ

فعليٌّ عليه السلام كان عنواناً بارزاً لا يشبهه أحدٌ في الشجاعة والإقدام والتضحية والفداء والطاعة والتسليم لله ورسولِه، فهو يقول في هذا الجانب: (( ولقد عَلِمَ المستحفظون من أصحاب محمدٍ ” صلى الله عليه وآله “، أني لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعةً قط ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكصُ فيها الأبطالُ، وتتأخرُ فيها الأقدامُ نجدةٌ أكرمني الله بها)) . وقد نجح علي بن أبي طالب عليه السلام في هذه المرحلة الصعبة من حياة الأمة في الدفاع عنها بكلِّ ما أُوتي من قوة فكان الفدائي الأول والمضحي الأوحد والمجاهد الذي لا يُشقُ له غبار والمطيع لله ولرسوله الذي لا يُجاريه أحدٌ فحقاً أنه لا يقاس به أحدٌ حتى أتعبَ الواصفين فهو حجة الله ووليه ووصي رسوله حقاً ، فتكلل هذا النجاح بأنْ أمرَ الله نبيَّهُ أنْ يعلنَ مبايعته خليفةً للهِ ورسولهِ، فنزلَ قولُهُ تعالى: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس )) المائدة- ٦٧- .وبعد أن أوقف النبي المسلمين في حرِّ الهجير، فانتظر من تأخر منهم وأرجع من تقدمَ، فخطب بالمسلمين تلك الخطبة التي ذكرتها جميع كتب المسلمين كلها أو بعضاً منها، رافعاً يدَ أمير المؤمنين صادحاً بأعلى صوته: (( ألا مَن كنتُ مولاه وأولى به، فهذا مولاه وأولى به، اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله، ثم قال: قم يا أبا بكر فبايع له بإمرةِ المؤمنين، فقام ففعل ذلك وبايع له، ثم قال قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين فقام فبايع )) ، ثم قال بعد ذلك لجميع مَن كان حاضراً من المسلمين فبايعوا كلهم. فنزل بعد ذلك قوله تعالى:(( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً..))

فقال رسول الله ” صلى الله عليه وآله ” : (( الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربِّ برسالتي والولاية لعليٍّ)) ثم قال: (( اللهم والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذلَهُ)).

فعلي بن أبي طالب لم يعرف منزلته ويقدرْ جهاده وجهوده وتضحيته وفداءه إلّا الله ورسوله، أمَّا الأمة فقد بايعته بالأمس بأمر الله ورسوله ثم انقلبت عليه فكانتْ مصداقاً لدعاء الرسول ” صلى الله عليه وآله ” – اللهم انصر من نصره وأخذل من خذله- إلى يومنا هذا، ( وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/ 144

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *